للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبليغ رسالته ومنعكم عن عبادة الأوثان فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ أي لو تركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده لما نفعتموني، ولما زدتموني إلا خسارة بأن أنسب إلى الخسار

وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً أي معجزة شاهدة على أنني رسول الله، وقد مرت معنا القصة في سورة الأعراف فلا نذكر هنا إلا ما يحتاجه فهم النص فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ كأنه قال: لكم نفعها وليس عليكم رزقها، فلا حجة إن آذيتموها ولذلك قال: وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ من عقر أو نحر أو إيذاء فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ أي عاجل، وهكذا كان رد صالح إظهار العجز عن ترك دعوة الله، والتذكير بالمعجزة، بينما كان رد هود التحدي لهم، والتوكل على الله، وكان رد نوح النقاش المفصل لكل جزء من أجزاء كلامهم، وفي كل قدوة، ولكل كلمة محلها، والناس طبائع، ولكل طبيعة كلمة تناسبها، ولكل من الدعاة طبيعة، والقرآن يسع النفس البشرية كلها، وفيه لكل نفس ما يناسبها ضمن إطار الحق ودائرته

فَعَقَرُوها أي فذبحوها فَقالَ صالح تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ أي استمتعوا بالعيش في بلدكم، وتسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي: يتصرف ويحتمل أن يكون المعنى: استمتعوا في دار الدنيا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أي ثم تهلكون ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي غير مكذوب فيه

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أي بالعذاب أو فلما جاء عذابنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا إذ لولا رحمته بهم ما هداهم فاستحقوا النجاة، رحمهم إذ هداهم، ورحمهم إذ نجاهم، والأمر أمره، والجميع ملكه وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ تقديره: ونجيناهم من ذلك اليوم وفضيحته، ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه، وجاز أن يكون المراد بيومئذ يوم القيامة إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ أي القادر على تنجية أوليائه الْعَزِيزُ أي الغالب بإهلاك أعدائه

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ أي الصاعقة وقد ذكر في سورة الأعراف أنهم أخذوا بالرجفة ويبدو- والله أعلم- أنهم اجتمع عليهم الزلزال والصعق فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ أي في منازلهم جاثِمِينَ أي ميتين

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أي كأن لم يقيموا فيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ فاستحقوا العذاب أَلا بُعْداً لِثَمُودَ وقد بعدوا في الدنيا والآخرة.

وهكذا كانت نهاية قوم صالح بالصيحة، ونهاية قوم هود بالريح، ونهاية قوم نوح بالطوفان، وكانت العاقبة نجاة نوح، وهود، وصالح، وهذا هو الدرس الأعظم للدعاة إلى عبادة الله واستغفاره، وبهذا ينتهي المقطع الثاني في سورة هود. وقبل أن ننتقل إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>