للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببا إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام، لما رأى في سجيتهما من قبول الخير، والإقبال عليه. والإنصات إليه،

ولما فرغ من دعوتهما شرع في تعبير رؤياهما من غير تكرار سؤال فقال: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وهو الذي رأى أنه يعصر خمرا، ولكنه لم يعينه لئلا يحزن ذاك، ولهذا أبهمه وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ وهو في نفس الأمر الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا، ثم أعلمهما أن هذا قد فرغ منه، وهو واقع لا محالة قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ أي قطع وتم ما تستفتيان فيه من أمركما وشأنكما

وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا الظان هو يوسف عليه السلام، فإن كان تأويله بطريق الاجتهاد فالظن على حقيقته، وإن كان بطريق الوحي فالظن بمعنى اليقين، وكان كلامه للناجي في ظنه، وهو الساقي، ويبدو أنه قال ذلك خفية عن الآخر لئلا يشعره أنه هو المطلوب اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أي اذكر قصتي عند ربك، وهو الملك، وصفني

بصفتي، وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويخلصني مما أنا فيه فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أي فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه الملك بذلك، وكان ذلك النسيان من جملة مكايدة الشيطان لئلا يخرج نبي الله من السجن فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ أي مكث في السجن بضع سنين، والبضع ما بين الثلاث إلى التسع. وأكثر المفسرين على أن مدة مكثه سبع سنين. وبهذا ينتهي المشهد.

[فوائد]

١ - هذا المشهد الذي مر معنا موجود في التوراة الحالية في الإصحاح الأربعين من سفر التكوين. ولكن شتان بين العرضين وليس لنا ما نأخذه من هذا الإصحاح إلا أن هناك قضية خلافية بين المفسرين حول قوله تعالى: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ.

هل الضمير يعود على يوسف أو على الساقي والراجح عن مفسرينا أن الضمير يعود على الساقي، والتوراة الحالية ترجح هذا الاتجاه إذ تقول: (ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه) كما أن في هذا الإصحاح كلام يوسف للساقي (وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت لأني قد سرقت من أرض العبرانيين وهنا أيضا لم أفعل شيئا حتى وضعوني في السجن) وليس في الإصحاح دعوة يوسف للساقي وزميله، وليس في الإصحاح ذكر للسبب الذي به سجنا سوى أنهما أذنبا. وبعض المفسرين المسلمين يذكر أن سبب سجنهما توهم فرعون أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه، وفي الإصحاح مزيد تفصيل حول الرؤيا وتعبيرها، وفيه تصريح بأن يوسف واجه كلا من

<<  <  ج: ص:  >  >>