للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عموم الأحوال أو في هذه الحادثة، لما ذكرنا من الهم الذي هو الخطرة البشرية لا عن طريق القصد والعزم إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أي إن النفس البشرية بطبيعتها تأمر بالسوء، وتحمل عليه لما فيه من شهواتها وحظوظها إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي أي إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة، أو إلا وقت رحمة ربي. يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة، أو إن النفس لأمارة بالسوء، ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، وبعد أن ذكر النسفي وقرر هذا الوجه، وهو أن هذا كلام يوسف ذكر وجه أن يكون هذا كلام امرأة العزيز إلا أنه وجهه غير التوجيه الذي وجهه إياه ابن كثير، وهذا كلامه: (وقيل هو من كلام امرأة العزيز أي ذلِكَ الذي قلت لِيَعْلَمَ يوسف أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ ولم أكذب عليه في حال الغيبة، وجئت بالصدق فيما سئلت عنه وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي مع ذلك من الخيانة، فإني قد خنته حين فر مني وقلت ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ وأودعته السجن، وتريد الاعتذار مما كان منها، إن كل نفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت، وإنما جعل من كلام يوسف، ولا دليل عليه ظاهر، لأن المعنى يقود إليه، وقيل هذا من تقديم القرآن وتأخيره، أي قوله ذلِكَ لِيَعْلَمَ متصل بقوله ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ.

وسواء كان كلام امرأة العزيز، أو كان كلام يوسف عليه السلام، فالدرس المستفاد منه لا يتغير، أن العاقبة الحميدة للأمانة، والعاقبة الذليلة للخيانة. وَقالَ الْمَلِكُ حين تحقق براءة يوسف عليه السلام، ونزاهة عرضه مما نسب إليه ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أي أجعله خالصا لنفسي، أي أجعله من خاصتي، وأهل مشورتي. فَلَمَّا كَلَّمَهُ أي خاطبه الملك، وعرفه، ورأى فضله وبراعته، وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال قالَ أي الملك ليوسف إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أي ذو مكانة ومنزلة أَمِينٌ أي مؤتمن على كل شئ

قالَ يوسف اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أي ولني على خزائن أرضك أرض مصر، والخزائن هي الأهراء التي يجمع فيها الغلات، لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها، فيتصرف لهم على الوجه الأحوط، والأصلح، والأرشد إِنِّي حَفِيظٌ أي أمين أحفظ ما تستحفظنيه عَلِيمٌ أي عالم بوجوه التصرف، هذا تعليل لطلبه، وصف نفسه بالأمانة، والكفاية، وهما طلبة الملوك ممن يولونه، وهما الصفتان اللتان يحتاجهما

<<  <  ج: ص:  >  >>