للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم، وعاقبة الابتلاء ظهور الأمر الخفي في الشاهد والغائب جميعا، فلذا تجوز إضافته إلى الله تعالى، وللمفسرين في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام كلام

كثير، وكل أقوالهم استنباط، إما من خلال السياق، أو من خلال قصة إبراهيم في القرآن، أو من خلال ما قصه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبينا إبراهيم وهو كلام مفيد ولذلك سنعقد له فصلا. أما هاهنا فنقول: «لقد وردت كلمة (بكلمات) منكرة للإشعار بأن الهدف من السياق هو تبيان قيام إبراهيم بما كلف به لا تبيان التكليف، على أنه من الفقرة، سنرى نموذجا على قيام إبراهيم بما يكلف به من خلال قيامه ببناء البيت قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً الإمام هو: من يؤتم به ويقتدى، وإمامة إبراهيم مؤبدة يجمع عليها حتى المختلفون من أبناء الديانات الكتابية، والظاهر أن إتمام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكلمات سبب الإمامة، فكأنه كان نبيا ثم بإتمامه الكلمات أعطي منصب الرسالة مكافأة، فالقيام بأمر الله كاملا هو الذي يرشح لمنصب الإمامة في دين الله، فما أكثر خطأ الذين يتصدرون للإمامة عن غير طريقها. قالَ إبراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أي واجعل من ذريتي أئمة يقتدى بهم، وذرية الرجل: أولاده ذكورهم وإناثهم فيه سواء قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ اختلف المفسرون في تفسير العهد والظلم في هذه الآية، فقد فسر الظلم: هنا بالكفر والشرك، وفسر:

بالظلم الذي هو مخالفة الشريعة، فعلى الأول يكون المعنى لا ينال عهدي كافر. وعلى الثاني: لا ينال عهدي فاسق، وفسر العهد: بالنبوة والدين والأمر والطاعة والنجاة في الآخرة، كما فسر بالوعد بالإمامة وهو أحقها بالاعتماد. فالمعنى: أنه لا ينال الإمامة فى الدين ظالم، والظلم نوعان: ظلم يتعدى الإنسان إلى غيره، وظلم لنفسه، وسنعقد من أجل إبراز ما يدخل في هذا النص أو من أجل رد الفهوم الخاطئة فيه فصولا.

قال ابن كثير: وقال ابن خويزمنداد المالكي: «الظالم لا يصلح أن يكون خليفة، ولا حاكما، ولا مفتيا، ولا شاهدا، ولا راويا».

فالمعنى العام للآية كما يفهم من مجموع كلام ابن كثير:

واذكر لهؤلاء المشركين، وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها، واذكر لهؤلاء وتذكر ابتلاء الله إبراهيم أي: اختباره بما كلفه به من الأوامر والنواهي، فأتمهن: أي: قام بهن كلهن؛ فاستحق بذلك منصب الإمامة جزاء على ما فعل، فكما قام بالأوامر وترك الزواجر؛ جعله الله قدوة وإماما يقتدى به في الخير،

<<  <  ج: ص:  >  >>