للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالفرج من حيث لا أحتسب، ولعلها إشارة إلى تيقنه أنه سيلقى يوسف، ويحدث ما رأى يوسف في رؤياه، أو لعله أشار إلى معرفته من قبل الوحي أن يوسف لم يمت،

ثم ندب بنيه إلى الذهاب في الأرض مستعلمين أخبار يوسف وأخيه يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ أي فتعرفوا منهما، وتطلبوا خبرهما، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر، ثم نهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله، وألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فقال وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه إِنَّهُ أي إن الأمر والشأن لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته، وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته، فييأس من رحمته

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ تقدير الكلام فذهبوا فدخلوا مصر، ودخلوا على يوسف قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أي الهزال من الشدة والجوع، أو أنهم شكوا الضر من الجدب والقحط وقلة الطعام وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أي مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا لها فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ أي أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا أي وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة، أو زدنا على حقنا، أوهب لنا أخانا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ خاطبوه بلغة الإيمان. وعندئذ كشف لهم نفسه

قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ لا تعلمون قبحه، أو إذ أنتم في حد السفه والطيش. أو إذ أنتم عاصون. قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. قال ابن كثير: والظاهر- والله أعلم- أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك. والله أعلم لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق

قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟ والاستفهام هنا يدل على الاستعظام. أي إنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من زمن وهم لا يعرفونه، وهو مع هذا يعرفهم، ويكتم نفسه قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بالألفة بعد الفرقة.

ذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة، ولم يبدأ بالملامة والعتاب إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله بترك معصيته، وفعل طاعته وَيَصْبِرْ على قضاء الله وقدره، وعن المعاصي وعلى الطاعة فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ والسياق يدل على أن المحسن من

<<  <  ج: ص:  >  >>