للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦ - في كتاب مالك بن نبي (الظاهرة القرآنية) كلام عن قصة يوسف في القرآن مقارنة مع قصة يوسف في التوراة الحالية، وتعليق عليها، وكانت له ملاحظات قيمة، ولكنه وقع في عدة أخطاء في هذا الفصل فاقتضى التنوية، ومن ملاحظاته في هذا الفصل بعد أن قارن بين فقرات من الرواية التوراتية الحالية لقصة يوسف وبين آيات من القرآن: (إن سوق التاريخ واحد تماما في كلتا الروايتين، ومع ذلك فإن التأمل السريع يكشف لنا عن عناصر خاصة تميز كلتيهما على حدة، فرواية القرآن تنغمر في مسحة روحانية نشعر بها في صفات الشخصيات وكلماتها التي يتحرك بها المشهد القرآني، فهناك قدر كبير من حرارة الروح في كلمات يعقوب ومشاعره في القرآن، فهو نبي أكثر منه أبا، وتبرز هذه الصفة على الأخص في طريقته في التعبير عن يأسه عند ما يعلم باختفاء يوسف، كما تتجلى في طريقته في تصوير أمله حين يدفع بنيه إلى أن يتحسسوا من يوسف وأخيه، وامرأة العزيز نفسها تتحدث في الرواية القرآنية بلغة تليق بضمير إنساني وخزه الندم، وأرغمته طهارة الضحية ونزاهتها على الاستسلام، فإذا بالخاطئة تعترف في النهاية بغلطتها، وتقر بخطيئتها، وفي السجن يتحدث يوسف بلغة روحية محلقة، سواء مع صاحبيه، أم مع السجان، فهو يتحدث كنبي يؤدي رسالته إلى كل نفس يرجو صلاحها) (١).

[مختارات من تعليقات صاحب الظلال على قصة يوسف]

إن القصة تعرض شخصية يوسف- عليه السلام- وهي الشخصية الرئيسية في القصة- عرضا كاملا في كل مجالات حياتها، بكل جوانب هذه الحياة، وبكل استجابات هذه الشخصية في هذه الجوانب وفي تلك المجالات. وتعرض أنواع الابتلاءات التي تعرضت لها تلك الشخصية الرئيسية في القصة، وهي ابتلاءات متنوعة في طبيعتها وفي اتجاهاتها .. ابتلاءات الشدة وابتلاءات الرخاء. وابتلاءات الفتنة بالشهوة، والفتنة بالسلطان. وابتلاءات الفتنة بالانفعالات والمشاعر البشرية تجاه شتى المواقف وشتى الشخصيات، ويخرج العبد الصالح من هذه الابتلاءات والفتن كلها نقيا خالصا متجردا في وقفته الأخيرة، متجها إلى ربه بذلك الدعاء المنيب الخاشع كما أسلفنا في نهاية الفقرة السابقة.


(١) الظاهرة القرآنية- الطبعة الأولى ١٩٥٨ ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>