للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف، على الرغم مما بدا من براءته. ذلك التصرف المقصود به مواراة الفضيحة ودفن معالمها؛ ولا يهم أن يذهب برئ كيوسف ضحيتها: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ.

- فإذا تابعنا شخصية يوسف- عليه السلام- فإننا لا نفتقد في موقف واحد من مواقف القصة ملامح هذه الشخصية، المنبثقة من مقوماتها الذاتية البيئية الواقعية، المتمثلة في كونه «العبد الصالح- الإنسان- بكل بشريته، مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه» ..

فهو في السجن وظلماته- مع الظلم وظلماته- لا يغفل عن الدعوة لدينه، في كياسة وتلطف- مع الحزم والفصل- وفي إدراك لطبيعة البيئة ومداخل النفوس فيها ..

كما أنه لا يغفل عن حسن تمثيله بشخصيته وأدبه وسلوكه لدينه هذا الذي يدعو إليه في سجنه. وهو- مع هذا كله- بشر، فيه ضعف البشر فهو يتطلب الخلاص من سجنه، بمحاولة إيصال خبره إلى الملك، لعله يكشف المؤامرة الظالمة التي جاءت به إلى السجن المظلم. وإن كان الله- سبحانه- شاء أن يعلمه أن يقطع الرجاء إلا منه وحده: وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ. فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ...

ثم تطالعنا ملامح هذه الشخصية كذلك بعد بضع سنين، وقد رأى الملك رؤياه، فحار في تأويلها الكهنة والسدنة، حتى تذكر صاحب السجن يوسف- بعد ما تمت التربية الربانية للعبد الصالح. فاطمأن إلى قدر الله به واطمأن إلى مصيره- حتى إذا ما طلب الملك- بعد تأويله لرؤياه- أن يأتوه به، أجاب في هدوء المطمئن الواثق؛ وتمنع عن مغادرة سجنه إلا بعد تحقيق تهمته وتبرئة سمعته:

................ .....

ومنذ هذه اللحظة التي تجلت فيها شخصية يوسف مكتملة ناضجة واعية، مطمئنة ساكنة واثقة، نجد هذه الشخصية تتفرد على مسرح الأحداث وتتوارى تماما شخصيات الملك والعزيز والنسوة والبيئة.

................ ........

ومنذ هذه اللحظة نجد هذه الشخصية تواجه ألوانا أخرى من الابتلاءات، تختلف في طبيعتها عن الألوان الأولى، وتواجهها بذلك الاكتمال الناضج الواعي، وبتلك الطمأنينة الساكنة الواثقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>