للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنت تلاحظ نقاط التشابه الكثيرة بين سورة الرعد وبين الآيتين اللتين قلنا إنهما محور سورة الرعد من سورة البقرة، ثم هما يأتيان بعد قليل من قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا والتي قلنا عنها إنها محور سورة يوسف، كما أن سورة الرعد تأتي مباشرة بعد سورة يوسف. وعلى هذا فسورة الرعد تفصيل لقضايا مجملة في الآيتين من سورة البقرة، فهي تعريف على الله، وهي عرض لأقوال للكافرين، وفيها أمثال كثيرة يضربها الله عزّ وجل، وفيها تدليل على أن هذا القرآن حق، وفيها تفصيل لسمات الذين يستحقون الاهتداء بهذا القرآن، وفيها تفصيل لصفات الفاسقين، وفيها وفيها مما ستراه من خلال التفسير، مما يؤكد لك أن ما اتجهنا إليه في هذا التفسير صحيح، إن في موضوع الوحدة القرآنية، أو في محاور السور بناء على ذلك

ولعلنا لاحظنا أن نوعية التفصيل في القرآن تختلف عن أي نوع من أنواع التفصيل المعروف عند البشر، لقد ظهر الله عزّ وجل في القرآن كما ظهر في هذا الكون، فهو الظاهر بآياته، سواء كانت آياته في الكون، أو آياته في القرآن. وكما أنك ترى الكون أجزاء وأجزاء، وكل جزء فيه يرجع إلى أصل كبير، ثم تجد الأشياء كلها ترجع إلى نوع عجيب من الوحدة يعرفه العالمون. كنا أشرنا إليه في كتابنا عن الله جل جلاله- فكذلك هذا القرآن يظن الجاهل أنه لا رابطة بين آياته فضلا عن سوره، ولكن من فتح الله على قلبه يرى كيف أن هذا القرآن كهذا الكون، تجده على أدق نظام، وعلى أدق ترتيب، وعلى أدق انسجام، وعلى أعظم مظهر من مظاهر الوحدة الكلية التي

تربط بين آياته وسوره، مما لا يعرف حتى العالمون عنه إلا القليل. ونحب قبل أن نبدأ عرض سورة الرعد أن نلفت النظر إلى أن قضية الضلال والهداية وأسبابهما، وهي من المعاني الرئيسية في سورة الرعد فليتنبه لذلك لأن فهم هذه القضية يشكل جزءا عظيما من أجزاء المعرفة الصحيحة. تتألف السورة من مقدمة هي آية واحدة، وثلاثة مقاطع كما سنرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>