للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره، وإن كانوا من ذريته حين عرف أنه كائن منهم ظالم لا يناله عهده بخبر الله له بذلك، قال الله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا» أقول:

ولذلك لم يكن الرزق علامة على القرب، فكان ذلك استدراجا في حق الكافر، ومحل اعتبار من المؤمن، وقد وافق دعاء إبراهيم بالأمن للبيت تقدير الله، فكان البيت

آمنا، واستجاب الله عزّ وجل دعوة إبراهيم في رزق سكان الحرم، قال الألوسي: «حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد».

[كلمة في السياق]

جاءت هذه الآية بعد آية العهد لإبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت، وبعد آية إعطاء الإمامة لإبراهيم، وقبل الآية التي تذكر الشروع ببناء البيت، فدلتنا على أن إبراهيم (عليه السلام) وقد علم مكان البيت بالنسبة للعالم دعى لأهله بالأمن والرزق، كما أرتنا نموذجا على قيام إبراهيم بأمر الله، فإنه لما علم أن عهد الله لا يناله الظالمون لم يدع إلا للمؤمنين بالرزق، فالآية ترينا في سياقها نموذجا على مسارعة إبراهيم في تنفيذ الأمر وقيامه بالأوامر والنواهي. وبعد أن عرفنا الله عزّ وجل على إرادته في جعل البيت مثابة وأمنا، وعرفنا على رغبة إبراهيم في أن يعطي أهل الحرم رزقا وأمنا، تأتي الآية اللاحقة لتقص علينا بناء البيت، ورغبات إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيانه، ورغبتهما إلى الله في ذلك مما حققه الله عزّ وجل فيما بعد، ومما يعاند أهل الكفر في شأنه بعد ذلك كما سنرى.

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

المعنى الكلي: واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) البيت، ورفعهما القواعد منه، وهما يدعوان هذه الدعوات، فهما في عمل صالح، ويدعوان الله، إذ الدعاء والإنسان في طاعة أمر الله مظنة إجابة، ومجموع هذه الدعوات تعبر عن العواطف التي كانت تثور في أنفسهما آنذاك، ومجموع ذلك هو: الرغبة في قبول العمل، وفي قبول الذات بتوفيقها للإسلام في شأنها كله، والرغبة في استمرار الإسلام في الذرية،

<<  <  ج: ص:  >  >>