للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التفسير]

اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ أي خلقها مرفوعة بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، أي ترون السموات مرفوعة بغير عمد فلا حاجة إلى البرهان على ذلك مع الرؤية، وذلك دليل قدرته عزّ وجل وحكمته ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ استواء يليق بجلاله. قال ابن كثير: من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل. وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لمنافع عباده، ومصالح بلاده، وذكر الشمس والقمر لأنهما أظهر في الدلالة على التسخير الذي فيه المصلحة للخلق كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى وهو انقضاء الدنيا بقيام الساعة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال النسفي: أمر ملكوته وربوبيته يُفَصِّلُ الْآياتِ أي يبينها، وآياته هنا كتابه المنزل لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أي لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه، وهكذا عرفنا أن الله عزّ وجل جعل تدبيره وتفصيل آياته علامتين تدلان على الرجوع إليه، فمن لم ير في كمال تدبيره في خلقه، وفي كمال تفصيله في آياته، ما يدل على الرجوع إليه، فإنه لم يعرف حكمة التدبير والتفصيل. وهكذا عرفنا أن التدبير والتفصيل علامتان على اليوم الآخر، فلم يكن التدبير عبثا، ولم يكن التفصيل عبثا، بل من أجل أن تعرف أيها الإنسان أنك راجع إليه فمحاسب.

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ قال ابن كثير: أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا راسيات، أي ثابتات في أمكنتهن وَأَنْهاراً أي وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي وجعل فيها من كل الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي ومن كل الثمرات جعل فيها الصغير والكبير، والحلو والحامض، هكذا فسر النسفي في هذا المقام الزوجية، وقال ابن كثير: أي من كل شكل صنفان.

ولم يفسر ما المراد بالصنف. وفي فوائد هذا المقطع كلام عن هذا الموضوع فإنه من المواضيع التي لثقافة العصر تأثير في تبيانها يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا، وقد رأينا في سورة الأعراف كيف دل مثل هذا التعبير على دوران الأرض إِنَّ فِي ذلِكَ أي في الأرض بما هي عليه والجبال ورسوها، والأنهار وجريانها، والثمرات والزوجية فيها، وغشيان الليل النهار لَآياتٍ أي لدلالات وعلامات على أن لها صانعا عليما حكيما قادرا لِقَوْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>