للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا اتبعه، أفهذا كهذا؟ لا استواء. فالاستفهام في الآية إنكاري، أي إنه لمستنكر بعد كل هذا وبعد ما ضرب الله من المثل وما جاء به من الهدى أن تقع شبهة لا يعرف فيها الحق، إنه ليس إلا العمى وحده هو السبب في عدم رؤية الحق، ثم ختم الله الآية بقوله:

إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ أي إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول السليمة الصحيحة الذي يعملون على قضايا عقولهم فينظرون ويستبصرون، فمن لا عقل له لا يتذكر، ومن لم يتذكر فهو أعمى، وقد دل ذلك على أن العقول السليمة مركوز فيها الحق، فإذا نزل عليها الوحي تذكرت، أما القلوب التي لا تتذكر فإنها وصلت إلى العمى الكامل، ولذلك كله علاماته،

ومن ثم فإن الله عزّ وجل ذكر بعد هذه الآية خصائص الفريقين، مقدما صفات أهل الحق، فمن وجد من نفسه صفات أهل الحق فإنه من المهتدين، ومن وجد من نفسه صفات أهل الباطل فإنه من الظالمين. أول هذه الصفات: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وعهد الله ما أوثقوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته، فهم يفون لله بعهده أنه الرب وهم عبيد، ثم هم لا ينقضون ما أوثقوه على أنفسهم من المواثيق بينهم وبين الله، أو بينهم وبين العباد.

خصص الوفاء بعهد الله ثم عمم ليدخل فيه كل عهد واجب الوفاء شرعا.

وثاني هذه الصفات: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويدخل في ذلك صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج وبذل المعروف. قال النسفي: (ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان .. إنما المؤمنون إخوة، بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم والذب عنهم، والشفقة عليهم، وإفشاء السلام عليهم، وعيادة مرضاهم، ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر) الصفة الثالثة: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ لمعرفتهم به وبجلاله. الصفة الرابعة: وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ في الدار الآخرة فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويراقبون الله فيما يأتون ويذرون من الأعمال، فيكون أمرهم على السداد والاستقامة، في جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم.

الصفة الخامسة: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ صبروا عن المحارم والمآثم، وصبروا على المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكاليف لله وحده، لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب في الجزع، قال صاحب الظلال: (والصبر ألوان. وللصبر مقتضيات. صبر على تكاليف الميثاق من عمل وجهاد ودعوة واجتهاد ..... الخ، وصبر على النعماء والبأساء. وقل من يصبر على النعمة فلا يبطر ولا يكفر. وصبر على

<<  <  ج: ص:  >  >>