للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - بمناسبة قوله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ نقول: في هذا المقام يذكر المفسرون اتجاها في التفسير، هذا الاتجاه يذكر أن الرعد ملك، وأن البرق سوطه الذي يسوق به السحاب، والذي نقوله في تفسير هذا الموضوع إذا صحت الروايات فيه هو: إن بعض الأسباب الحسية ربطها الله بأسباب غيبية، كالموت سببه الحسي المرض، وسببه الغيبي سحب الروح من قبل الملك، والجميع بأمر الله وقدرته، فعند ما يثبت بالدليل الشرعي أن سببا حسيا مرتبط بسبب غيبي فقد وجب الإيمان في هذه الحالة بكل من السببين: الغيبي والحسي، ولا يجوز نفي أحدهما بحال، ومما وقع فيه كثير من الإسلاميين في الخطأ سببه النفي أو الإثبات القاصر، وفي هذا المقام- مقام هذه الآية- نقول: إن للرعد سببا حسيا، وللبرق سبب حسي هو ما يتكلم عنه علماء الطبيعة، ولتصريف السحاب أسباب غيبية الله أعلم بها، فعلماء المسلمين يذكرون أن المكلف بأمر الأرزاق ميكائيل، فإذا ورد حديث صحيح حول موضوع الرعد والبرق وصلة الملائكة به، فإنه محمول على ذكر السبب الغيبي الذي لا ينفي السبب الحسي، فإذا أدركت هذا الموضوع عرفت قاعدة مهمة تستطيع أن تفهم بها كثيرا من النصوص، وبمناسبة هذه الآية ننقل هذه الآثار التي ذكرها ابن كثير.

- روى الإمام أحمد: حدثنا يزيد حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرني أبي كنت جالسا إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد، فمر شيخ من بني غفار، فأرسل إليه حميد فلما أقبل قال: يا ابن أخي وسع الله فيما بيني وبينك فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميد: ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الشيخ سمعت عن شيخ من بني غفار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ينشئ السحاب، فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك» والمراد والله أعلم أن نطقها الرعد وضحكها البرق؛ وقال موسى بن عبيدة عن سعد بن إبراهيم قال:

يبعث الله الغيث فلا أحسن منه مضحكا ولا آنس منه منطقا، فضحكه البرق، ومنطقه الرعد وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الحجاج حدثنا أبو مطر عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال:

«اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك»

أقول: إن المسلم مع بحثه عن القانون العلمي، والحقيقة العلمية الكونية، ومع إثباته لها، فإنه له إحساساته الإيجابية التي تجعله يرى في هذا الكون ما لا يراه الكافر، فيذكره ذاك بالله تذكيرا يعبر عنه بذكر أو دعاء أو خشية أو أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>