للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحي أنزله، وأمرنا أن نعلن أن ما نحن عليه هو صبغة الله، وأنه لا أحسن من ذلك، وأننا مخلصون له العبادة فمن اجتمع له ذلك فهو على الهداية الكاملة، لا من زعم أن الهداية عنده بلا دليل.

من عادات النصارى أنهم يغمسون أولادهم بماء يسمونه: المعمودية، ويقولون عنه:

إنه تطهير لهم فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا. يقول شارل جنيبير في كتابه (المسيحية وتطورها) عن التعميد هذا: «فإذا ما آمن الإنسان به (أي بالمسيح) أقيمت له مراسم التعميد، وهي طقوس يهودية الأصل تبناها المسيحيون .... تعقد الدخول في الكنيسة المسيحية بفعل نمو الطقوس التي شملت شيئا فشيئا جميع المجالات الدينية .... وأصبح التعميد نفسه احتفالا معقدا يشتمل- على أقل تقدير- على مجموعة من التعليمات الخاصة، وعلى الغسل بالماء الذي يكرر ثلاثا، وعلى إجراء اللمس باليد الذي يصاحبه المسح بالزيت المقدس (المسح بالزيت تقليد من تقاليد اليهود كما يقول المؤلف) ثم ينتهي إلى طقوس القربان الأول .... وليس من العسير علينا أن نكشف عن روح الأسرار الهيلينية فى هذا التعليم التدريجى .... » فأمر المسلمون بهذه الآيات أن يقولوا لهم: آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغته، فعلى هذا الاتجاه في الفهم تكون صِبْغَةَ اللَّهِ هنا حديثا عن أثر الإيمان الذى أمر به المسلمون في الآية قُولُوا آمَنَّا .... فالإيمان الصحيح الشامل يطهر النفوس، فتصبح هذه الأنفس بالإيمان ذات لون رباني. قال البيضاوي ذاكرا بعض اتجاهات المفسرين في تفسير صِبْغَةَ اللَّهِ « .... أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه: صبغة، لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب، أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون: هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم .... » وهناك اتجاه في تفسير الآية أن المراد بصبغة الله دينه، فهذا الدين الذى أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي صبغه هذه الصبغة، فهو أثر مباشر عن الله

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً

أي: لا دين أحسن من دينه، أولا تطهير أحسن من تطهيره الذي تأخذ به الأنفس لونها الصحيح وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ قال البيضاوي: (هذا) تعريض لهم أي: لا نشرك به كشرككم .. ، فنحن قائمون بعبادته كما أمر، معطون العبودية له كما يحب، وهذا مفترق الطريق بين المسلم وغيره، المسلم يعتبر أن مقامه الصحيح هو في العبودية لله، وغير المسلم يعتبر نفسه حرا، فلا عبودية ولا عبادة، أو عبودية وعبادة في

<<  <  ج: ص:  >  >>