للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليظل المجال مفتوحا في التصور البشري لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم خارج حدود البيئة، وخارج حدود الزمان الذي يظلهم، فوراء الموجود في كل مكان وزمان صور أخرى، يريد الله للناس أن يتوقعوها فيتسع تصورهم وإدراكهم، ويريد لهم أن يأنسوا بها حين توجد، أو حين تكتشف، فلا يعادوها ولا يجمدوا دون استخدامها والانتفاع بها. ولا يقولوا: إنما استخدم آباؤنا الأنعام والخيل والبغال والحمير فلا نستخدم سواها، وإنما نص القرآن على هذه الأصناف فلا نستخدم ما عداها.

إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها، ومقدرات الحياة كلها، ومن ثم يهيئ القرآن الأذهان والقلوب لاستقبال كل ما تتمخّض عنه القدرة، ويتمخض عنه العلم، ويتمخض عنه المستقبل. استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعد لتلقي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة.

ولقد وجدت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة لم يكن يعلمها أهل ذلك الزمان. وستجدّ وسائل أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان. والقرآن يهيئ لها القلوب والأذهان، بلا جمود ولا تحجر وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ).

...

وفي وسط الحديث عن نعم الله المادية على الإنسان نبّه على الطرق المعنويّة الدينية إذ هي أعلى أنواع النعم، وكثيرا ما يقع في القرآن مثل هذا إذ يعبر بك السياق من أمر حسي إلى أمر معنوي مناسب، ثم يعود السياق إلى ما كان عليه وذلك أسلوب في التربية آثاره جليلة وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ قال الزجاج: (معناه وعلى الله تبيين الطريق الواضح المستقيم، والدعاء إليه بالحجج). والسبيل القصد هو الطريق المستقيم والخط المستقيم هو أقرب بعد بين نقطتين وَمِنْها جائِرٌ أي ومن الطرق حائد مائل زائغ عن الاستقامة. قال ابن عباس وغيره: هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية، فطريق الحق بيانه على الله وكل طريق إلا طريقه ظالمة مائلة زائفة زائغة حائدة لا توصل إليه فهي مضيعة، والأعمال فيها مردودة ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أي لخلق فيكم الهداية كما بيّنها لكم، ولكنه أمضى فيكم سنته وأقام عليكم الحجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>