للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى سَيَقُولُ للاستقبال. فهل الآية إخبار عن القول قبل وقوعه أو أنها إخبار عنه بعد وقوعه؟ قولان للمفسرين: فعلى القول أن الآية نزلت بعد القول فذلك يفيد أن القائلين مستمرون في لغطهم وفي قولهم. وتكون الآية وما بعدها متأخرة نزولا على قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة. فأنزل الله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ... إلى آخر الآية. فقال السفهاء وهم اليهود: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ وعلى القول بأن الآية إخبار عما يأتي تكون الحكمة كما قال الألوسي: «وتقديم الإخبار بالقول على الوقوع لتوطين النفس عليه فإن مفاجأة المكروه أشد إيلاما. والعلم به قبل الوقوع أبعد من الاضطراب. ولما أن فيه إعداد الجواب. والجواب المعد قبل الحاجة أقطع للخصم» والسفهاء: هم خفاف الأحلام. فأصل السفه الخفة. وهم هنا إما اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وأنهم لا يرون النسخ. أو المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء. أو المشركون لقولهم:

رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها. والله ليرجعن إلى دينهم. قال ابن كثير: والآية عامة في هؤلاء كلهم. قال الألوسي في ترجيح العموم: «لأن الجمع فيها محلى باللام وهو يفيد العموم. فيدخل فيه الكل. والتخصيص بالبعض لا يدعو إليه داع» أقول وقد مر معنا في السورة قوله تعالى وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ومر معنا في المنافقين أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ فحمل الآية على جميع من وصف الله في السورة بالسفه مقتضى السياق. ومعنى قولهم: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها أي ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي بيت المقدس. والقبلة: هي الجهة التي يستقبلها الإنسان في الصلاة. لأن المصلي يقابلها. فهؤلاء السفهاء قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الصراط المستقيم هو الطريق المستوي.

ومن الصراط المستقيم التوجه إلى كعبة إبراهيم بعد إذ أمر الله به. وفي ذكر ذلك إشارة إلى نعمة الله على هذه الأمة بهدايتها في شأنها كله إلى الصراط المستقيم. وتعريض بغيرهم. ومعنى النص: أن بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها لله. والحكم والتصرف والأمر كله لله فالشأن كله في امتثال أوامره. ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة. فنحن عبيده وفي تصرفه. وقد شاء عناية بعبده محمد صلى الله عليه وسلم وأمته

<<  <  ج: ص:  >  >>