للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجة عليه بإرسال الرسول إليه. وفسّرها النسفي بقوله: وما صح منا أن نعذب قوما عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولا، يلزمهم الحجة. وحول الآية كلام كثير سيأتي في الفوائد

وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أي أهل قرية أَمَرْنا مُتْرَفِيها أي أمرنا متنعميها وجبابرتها بالطاعة فَفَسَقُوا فِيها أي فخرجوا عن الأمر فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ أي فوجب عليها الوعيد فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً أي فأهلكناها إهلاكا

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ أي كثير من الأجيال أهلكناها من بعد نوح وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً وإن أخفوها في الصدور بَصِيراً وإن أرخوا عليها الستور، أي هو عالم بجميع أعمالهم خيرها وشرها، لا يخفى عليه منها خافية سبحانه وتعالى.

وهكذا قررت هذه الآيات أن العذاب لا يكون إلا بعد إقامة الحجة ووجود الضلالة والفسوق وهو معنى يخدم محور السورة ضمن حيزها العام: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ... وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ... * وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

ثم يقرر الله سنته في طلاب الدنيا وطلاب الآخرة إذ طلب الدنيا هو سبب الانحراف، وطلب الآخرة سبب من أسباب الهداية، فإذا رافقه إيمان صحيح كان سبب النجاة مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ أي تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لِمَنْ نُرِيدُ قيد المعجّل بمشيئته، والمعجّل له بإرادته، وهكذا الحال ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع لهم فقر الدنيا والآخرة، وأما المؤمن التقي فقد اختار الآخرة، فإن أوتي حظا من الدنيا فبها، وإلا كان المنع خيرا له، فإذا كان المؤمن والكافر مستويين في كونهما يعطيان بمشيئة الله، وللمؤمن أجره فلم يكفر الكافرون بسبب الدنيا ووراء ذلك جهنم ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ في الآخرة جَهَنَّمَ يَصْلاها أي يدخلها تغمره من جميع جوانبه مَذْمُوماً أي ممقوتا مَدْحُوراً أي مطرودا من رحمة الله مبعدا مقصيا حقيرا ذليلا مهانا بسبب سوء تصرفه وصنيعه إذ اختار الفاني على الباقي، سيرا على طبيعته في الاستعجال

وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وما فيها من النعيم والسرور وَسَعى لَها سَعْيَها أي وأعطاها حقها من السعي، وكفاءها من الأعمال الصالحة بالدخول في الإسلام واجتناب خطوات الشيطان

<<  <  ج: ص:  >  >>