للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحاط بالناس علما وقدرة فكلهم في قبضته فلا تبال بهم، وامض لأمرك، وبلغ ما أرسلت به، ولا تلتفت إلى إبائهم ونفورهم وكلامهم. قال ابن كثير في الآية: (يقول تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم محرّضا له على إبلاغ رسالته، ومخبرا بأنه قد عصمه من الناس؛ فإنه القادر عليهم، وهم في قبضته، وتحت قهره وغلبته). فالإشارة إلى إحاطة الله علما بالناس إشارة إلى عدل الله في الهداية والإضلال، وإشارة إلى ضرورة التبليغ لتقوم الحجة، وإشارة إلى التوكل مع التبليغ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها قال: (هي رؤيا عين أريها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به) وهكذا فسّر ذلك بليلة الإسراء مجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، ومسروق، وإبراهيم، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وغير واحد. وقوله تعالى إِلَّا فِتْنَةً أي إلا اختبارا وامتحانا. ونحن نعلم أن ناسا رجعوا عن دينهم بسبب حادثة الإسراء والمعراج بعد ما كانوا على الحق؛ لأنه لم تحتمل قلوبهم وعقولهم ذلك. فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، وجعل الله ذلك ثباتا ويقينا لآخرين. وكما جعل الله الإسراء فتنة وابتلاء واختبارا فكذلك جعل ذكر شجرة الزقوم في القرآن. ومن ثم قال:

وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ أي جعلناها فتنة للناس، فإنهم حين سمعوا بقوله إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ (الدخان: ٤٣) جعلوها سخرية فكيف ينبت في النار الشجر، كأنهم يعجّزون القدرة الإلهية عن ذلك. قال أبو جهل سخرية: (هاتوا لنا تمرا وزبدا، وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا) وإنما وصفت الشجرة بأنها ملعونة إما لأن الملعونين يأكلونها، أو لأن العرب تقول لكل طعام مكروه ملعونا. أو لأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة، وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان

من الرحمة وَنُخَوِّفُهُمْ أي ونخوف الكافرين بالوعيد والعذاب والنكال فَما يَزِيدُهُمْ أي التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أي إلا تماديا فيما هم فيه من الكفر والضلال وذلك من خذلان الله لهم. قال النسفي: فكيف يجاب قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات؟ فكأنه ربط بين هذه الآية وما قبلها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً

وهكذا اتضح أن موضوع الهداية والضلال موضوع بعيد الغور فالله عزّ وجل يبتلي الناس بأنواع من الابتلاءات ليتمحص الإيمان الصافي وأهله، والله عزّ وجل أعلم إذ يهدي ويضل، والكافرون لا يستفيدون من شئ، والله محيط بكل شئ، ولنلاحظ

<<  <  ج: ص:  >  >>