للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً الغرور هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي: يد بتبديل الإيمان، ولكن بتسويل العصيان وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أي حافظا ومؤيدا ونصيرا، يتوكل عليه المؤمنون فيحفظهم. فمن تحقق بالعبودية لله، وتوكل على الله، نجا من سلطان الشيطان.

وبهذا تكون قضية الإضلال والهداية قد توضحت بعض جوانبها في هذا السياق. ولم يبق عندنا من المقطع إلا خاتمته، التي فيها تذكير، ومعالجة للنفور، وتعريف على الله، وتذكير بعقوباته وقهره، وإقامة حجة على وحدانيته، ووجوب إفراده بالعبادة، وهي معان تأتي على نسق واحد مع معاني المقطع.

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي أي يجري ويسيّر، إما بالرياح، وإما بالآلات، وكلها خلقه لَكُمُ الْفُلْكَ أي السفن فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعني الرزق والربح إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً أي إنما فعل هذا بكم من فضله عليكم، ورحمته بكم، فهذا يقتضي منكم شكرا وإسلاما، لا كفرا وعصيانا

وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ أي إذا أصبحتم في وضع تخافون فيه الغرق في البحر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أي ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه في حوادثكم إلا أياه وحده، أو ضل من تدعونه من الآلهة عن إغاثتكم، ولكن الله وحده الذي ترجون هو الذي يجيب، فإذا كان الأمر كذلك فكيف تشركون به، وتدعون معه غيره اعتقادا وسلوكا وتعاطفا ومودة؟ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ أي عن التوحيد والإخلاص بعد الخلاص، أي نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر، وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له، وعبادته وحده دون غيره وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أي للنعم أي سجيته هذه، ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله

أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً الحاصب: هي الريح ترمي بالحصباء أي الحجارة. والمعنى: أفحسبتم بخروجكم إلى البر أنكم أمنتم من انتقامه وعذابه، والأقطار كلها في قدرته سواء، وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب من أسباب الهلاك، فليس جانب البحر وحده مختصا به، بل إن كان الغرق في جانب البحر، ففي جانب البر الخسف: وهو تغييب تحت التراب، والغرق تغييب تحت الماء، وإن لم يصبكم الهلاك من تحتكم بالخسف، أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الهلاك. فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان. ثم قال تعالى: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا أي ناصرا يرد ذلك عنكم،

<<  <  ج: ص:  >  >>