للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصنافها وألوانها وأشكالها، مما يصنعونه لأنفسهم، ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ فسر الكثير بعضهم هنا بالكل مِمَّنْ خَلَقْنا قال ابن كثير: أي من سائر الحيوانات، وأصناف المخلوقات تَفْضِيلًا ذكّرنا الله عزّ وجل في هذه الآية بتكريمه الإنسان، وحمله له في البر والبحر، ورزقه الطيبات، وتفضيله لهذا الإنسان على كل مخلوقاته. ذكّرنا الله عزّ وجل بهذه النعم، ولم يذكر ما رتّبه علينا مقابل هذا العطاء، ولكنه ذكّرنا بعد ذلك مباشرة بما سيكون يوم

القيامة.

وفي هذا التذكير بيان أن من لم يشكر فله جزاؤه، وأن من شكر فله جزاؤه فقال:

يَوْمَ أي واذكر، أو واذكروا يوم نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أي مختلطين بإمامهم، أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدّم في الدين، أو كتاب، أو دين، أو بكتاب أعمالهم فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي من هؤلاء المدعوين فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شئ، وإنما يقرءون كتابهم فرحا بما فيه من العمل الصالح وسرورا، فهو يقرؤه ويحب قراءته. والفتيل في اللغة: هو الخيط المستطيل في شق النواة، ولم يذكر الكفار وإيتاءهم كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله تعالى الآتي:

وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى أي ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجة الله وآياته وبيّناته فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أي كذلك يكون في الآخرة وَأَضَلُّ سَبِيلًا أي وأضل طريقا مما كان في الدنيا، وقد استعيرت كلمة الأعمى للكافر؛ لأن الأعمى لا يدرك المبصرات؛ لفساد حاسته، وكذلك الكافر، فإنه لا يهتدي إلى طريق الله في الدنيا، فمن ثم فهو أعمى، ولكونه لا ينفعه الاهتداء في الآخرة فهو كذلك أعمى وأضل، لأن كرب يوم القيامة تزيد من عماه. وهكذا عرفنا عاقبة من كفر النّعمة، وعاقبة من شكرها، وإنما شكرها بالقيام بأمر الله كله، بأن يفعل ما كلّفه الله به، وبهذا وضح ما بين هاتين الآيتين. والآية قبلهما:

فالآية الأولى ذكّرت بالنّعم، ولم تذكر شيئا سوى ذلك.

والآيتان الأخريان ذكّرتا بحال أهل الإيمان، وأهل الكفر في الآخرة، مما دلّ على أن هذه النعم يقابلها تكليف، وأن السقوط في التكليف يترتب عليه ما يترتب، ووصف الكافر بالعمى في الدنيا دليل على أن الذي لم يرتّب على النعمة مقتضاها، من القيام بأمر الله

<<  <  ج: ص:  >  >>