للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهود، وقالوا: يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أفعنيتنا أم عنيت قومك. فقال: «كلّا قد عنيت» فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شئ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم». وأنزل الله وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

ب- قال ابن كثير:

ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم، فهي إما نفس مطمئنة، أو أمّارة بالسوء، قال: كما أن الماء هو حياة الشجر، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسما خاصا فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها مصطارا (١) أو خمرا، ولا يقال له «ماء» حينئذ إلا على سبيل المجاز، وكذا لا يقال للنفس «روح» إلا على هذا النحو، وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه، فحاصل ما يقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها، ومن اتصالها بالبدن فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن والله أعلم».

وبعد: ذكرنا في سياق التفسير حكمة ورود آية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ في المكان الذي جاءت به والآن نضيف بعد ما نقلنا تحقيق السهيلي الذي حبّذه ابن كثير:

١ - أن الروح تمرض ومرضها في أن تصاب بالحسد أو الكبر أو الحقد أو العجب أو غير ذلك من أمراض النفس، وإذا مرضت فإنها تحتاج إلى دواء وطبيب، وقد جعل الله الأدوية كلها في كتابه وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ... فالكلام عن الروح إذن مرتبط بالمرض والشفاء. ومن ثم جاءت في سياقها.

٢ - إن شقاء البشر يكمن في نفوسهم، فبقدر ما تطمئن نفوسهم يسعدون. وبقدر ما تتهذب نفوسهم يسعد بعضهم بعضا، ولا تطمئن الأنفس وتتهذب إلا برحمة من الله وهذا القرآن رحمة وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ومن ثم جاءت آية الروح بعد هذا السياق.


(١) - قال الأزهري: المصطار من أسماء الخمر التي اعتصرت من أبكار العنب بلغة أهل الشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>