للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند رأسه. أرأيت نمط الذين يرفضون الاهتداء بهذا القرآن ما هو؟ هل تشم منه رائحة منطق أو عقل أو رغبة في حق، ومن ثم أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجبا من اقتراحاتهم هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا أي أنا رسول كسائر الرسل، بشر مثلهم، والرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله على أيديهم من المعجزات، فليس أمر الآيات إليّ، إنما هو إلى الله، فما بالكم تطلبونها مني وتقترحونها عليّ. وقال ابن كثير في تفسير ما أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوله (أي سبحانه وتعالى وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعّال لما يشاء، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم، وإن شاء لم يجبكم، وما أنا إلا رسول إليكم، أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم، وقد فعلت ذلك، وأمركم فيما سألتم إلى الله).

وهكذا نرى أن الموانع من الدخول في الإسلام ليست لقصور الحجة ولا لسبب عقلي وإنما هي التعنّت، ومن ثم قال تعالى:

وَما مَنَعَ النَّاسَ أي أكثرهم أَنْ يُؤْمِنُوا أي يصدقوا ويتابعوا الرسل إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى هدى الله إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا أي وما منعهم من الإيمان بوحي الله، ونبوة أنبيائه، إلا شبهة أو عقدة تمكنت في صدورهم، وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر، مع أن هذا لا ينبغي أن يكون مثار اشتباه أو اعتراض، ومن ثم نبّه الله عزّ وجل على أنه من لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم؛ ليفقهوا عنه، ويفهموا منه، ويقتدوا به، ويتمكنوا من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ضمن قوانين هذا العالم التي جعلها الله هكذا لحكمة، ولا الأخذ عنه، ولكانت لهم حجة أن هذا ليس مثلنا، وليس تركيبه كتركيبنا حتى يعالج مشكلاتنا، أو نستطيع فعل ما يفعل.

قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ أي على أقدامهم كما يمشي الإنس، ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء؛ فيسمعوا من أهلها، ويعلموا ما يجب علمه مُطْمَئِنِّينَ أي ساكنين في الأرض قارّين كما أنتم فيها لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا أي من جنسهم، أي يعلّمهم الخير ويهديهم إلى الرشد، ولمّا كنتم أنتم بشرا بعثنا فيكم رسلنا منكم لطفا ورحمة. دلّت الآية على أن سكان الأرض يحتاجون إلى الرسالة، ويحتاجون إلى رسول من جنسهم؛ به تقوم الحجة عليهم، وبه يرتقون. تلك سنته

وفيها غاية الحكمة.

ثم هذا هو الواقع الذي ابتلى الله به عباده، فليس لأحد إلا التسليم بعد العلم وقد وجد العلم قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على أني رسوله، وعلى أنّي بلّغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم

<<  <  ج: ص:  >  >>