للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها صلة القصة بمحور السورة من البقرة

هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً هذا إخبار بمعنى الإنكار لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي بحجة ظاهرة على عبادتهم وتسميتهم آلهة، وهو كلام يراد به التبكيت، لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال. والمعنى الحرفي: هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه، أي هم أظلم الناس في قولهم ذلك المفترى المكذوب، وفي ذلك درس أن الإسلام لله ينبغي أن يرافقه كفر بالطاغوت وأهله، ومعرفة لضلاله وضلال أهله، وهذا كذلك من جملة الدروس التي تربط بين القصة ومحور سورة الكهف من سورة البقرة.

ثم خاطب بعضهم بعضا حين صحت عزيمتهم على الفرار بدينهم فقالوا: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ أي وإذ فارقتم قومكم، وخالفتموهم في عبادتهم غير الله، أي وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم إلا الله، دلّ على أن قومهم كانوا يعرفون الله ولكنهم يشركون معه آلهة أخرى فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ أي صيروا إليه أو اجعلوا الكهف مأواكم، لتفارقوهم بأبدانكم كما فارقتموهم في عبادتكم، دل ذلك على أن مفارقة الكفر وأهله بالبدن مهم، كمفارقتهم بالروح والقلب يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم، أو يبسط لكم من رزقه وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ الذي أنتم فيه مِرْفَقاً أي أمرا ترتفقون به أي تنتفعون به، وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله، وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه، ونصوع يقينهم، وقد دلّ هذا على أنّ الله أكرمهم لصدقهم بكمال معرفته، فأصبحوا عارفين به حالا ومقالا وسلوكا، ومن كمال معرفتهم أنهم عرفوا أن اعتزال قومهم بالكهف سيقابله عطاء من الله لهم

وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم، ومعنى ذات اليمين أي جهة اليمين والمعنى: أن الفيء يتقلص يمنة وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ أي تدخل إلى غارهم من شمال بابه، ومعنى تقرضهم: أي تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي في متسع من الكهف داخلا بحيث لا تصيبهم. والمعنى هم في ظل نهارهم كله، لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها، مع كون الغار في غاية الصحة لكونه معرضا للشمس والتهوية، فكانوا بحيث لا يحسّون كرب الغار، وينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم.

وقد استدل ابن كثير بهذا الوصف على أن باب هذا الكهف كان من ناحية الشمال.

قال: وهذا بيّن لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة، وسير الشمس والقمر

<<  <  ج: ص:  >  >>