للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحكمة، والحجة البالغة، والرحمة الواسعة.

...

وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي وكما أنمناهم تلك النومة، كذلك أيقظناهم إظهارا للقدرة على الإنامة والبعث جميعا لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ أي ليسأل بعضهم بعضا، ويتعرّفوا حالهم وما صنع الله بهم؛ فيعتبروا ويستدلّوا على عظم قدرة الله، ويزدادوا يقينا، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ أي كم مدة لبثكم أي كم رقدتم؟ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ جواب مبني على غالب الظن، وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب، فكأن دخولهم كان إلى الكهف في أول نهار، واستيقاظهم كان في آخر نهار، ومن ثم استدركوا بعد قولهم يوما فقالوا: أو بعض يوم قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم، أو كأنهم علموا بالأدلة، أو بالإلهام، أو بزيادة حدثت لأظفارهم وأشعارهم على طول المكث، ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب فقالوا:

فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ أي فضتكم هذه، كأنهم قالوا: ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شئ آخر مما يهمكم، فابعثوا أحدكم بفضّتكم هذه إِلَى الْمَدِينَةِ أي مدينتكم التي خرجتم منها: دلّ ذلك على أنهم استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها قال النسفي: وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله، دون المتكلين على الإنفاقات، وعلى ما في أوعية القوم من النفقات فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً أي أيّ أهلها أحل وأطيب طعاما، أو

أكثر وأرخص فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ أي وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة، حتى لا يغبن، أو في أمر التخفي حتى لا يعرف. والثاني أقوى أي وليتكلف اللطف في خروجه وذهابه وشرائه وإيابه، أي وليختف أقصى ما يقدر عليه وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أي ولا يعلمنّ بكم أَحَداً دلّتنا هذه الوصية على أدب هذا المقام، فغير هذا تهور وتعريض الفئة المسلمة لخطر الاستئصال، وقولهم: ولا يشعرن بكم أحدا. معناه: ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور من غير قصد منه. أي لا يتسبب بالشعور بنا،

ثم عللوا سبب الوصية إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي إن علموا بمكانكم واطلعوا عليه يحيطون بكم غالبين يَرْجُمُوكُمْ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>