للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي ملجأ تعدل إليه إن هممت بالتغيير، أو لم تقل ما أوحي إليك، والصلة بين هذا الأمر وقصة أهل الكهف واضحة.

فإذ تبيّن من خلال عرض قصة أهل الكهف، أن هذا القرآن مظهر علم الله، فليتل إذن، وليتل كما أنزل، ولا تبدّل كلماته، لا تلاوة، ولا بتحميلها ما لا تحتمل؛ مراعاة لوضع ما فإن الخطأ عليه مستحيل، وإذ يفعل أحد شيئا من ذلك فإنه لا ملجأ له من عذاب الله.

وإذ تبيّن لنا من القصة كرامة المؤمن على الله، وإذ كانت القصة تدور حول فتية حبسوا أنفسهم على بعضهم، يأتي الآن الأمر الثاني آمرا بصبر النفس مع أهل الإيمان:

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ أي احبسها وثبتها مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ أي دائبين على الدعاء في كل وقت يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي يريدون رضا الله قال ابن كثير: أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه، ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيا من عباد الله، سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو ضعفاء وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ أي ولا تجاوزهم عيناك تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي لا تجاوزهم عيناك إلى غيرهم، فتطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي ولا تطع من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر، أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي وكانت أعماله وأفعاله وأقواله سفها وتفريطا، وضياعا وتجاوزا للحق، لا تكن مطيعا لمثل هذا، ولا محبا لطريقته، ولا تغبطه على ما هو فيه.

ثم يأتي الأمر الثالث:

فبعد أن بين أن هذا القرآن حق، وبعد أن أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بعدم طاعة الغافلين وغبطتهم والتشوّف إليهم، بل عليه أن يلزم نفسه بالجلوس مع

الذاكرين، يأتي الآن الأمر:

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي وقل بأن القرآن أو الإسلام هو الحق من ربكم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ أي جاء الحق وزاحت العلل، فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم، من الأخذ في طريق النجاة، أو في طريق الهلاك، وهو تهديد ووعيد شديدان. ثم ذكر جزاء من اختار الكفر فقال إِنَّا أَعْتَدْنا أي أرصدنا

<<  <  ج: ص:  >  >>