للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

وَإِذْ قُلْنا أي واذكر إذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ أي لجميعهم اسْجُدُوا لِآدَمَ أي سجود تشريف وتكريم فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ قال ابن كثير: أي خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم». فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه، وخانه (أي إبليس) الطبع عند الحاجة، وذلك أنه كان توسّم بأفعال الملائكة، وتشبّه بهم وتنسّك. فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة، ونبه تعالى على أنه من الجن أي على أنه خلق من نار كما قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (الأعراف: ١٢) قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر، رواه ابن جرير بإسناد صحيح فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أي فخرج عن طاعة الله، ثم قال تعالى مقرّعا، وموبّخا لمن اتبعه وأطاعه: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي أي بدلا عني، والاستفهام للإنكار والتعجب، كأنه قيل: أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته أولياء من دوني، وتستبدلونهم بي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ أي والحال أنهم لكم أعداء بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا أي بئس البدل، إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة الله

ما أَشْهَدْتُهُمْ أي ما أشهدت إبليس وذريته خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة، وإنما يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية، فنفي مشاركتهم في الإلهية، ينفي شهودهم خلق السموات والأرض، لعدم احتياجه إليهم، لا في الخلق ولا في المشاورة وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي وما كنت متخذهم عضدا: أي أعوانا، فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق، فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة.

فالمعنى: أنا المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبّرها، ومقدّرها وحدي، ليس معي في ذلك شريك ولا وزير، ولا مشير ولا نظير، فكيف تتخذون عبيدا أمثالكم أولياء من

<<  <  ج: ص:  >  >>