للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملاحظة مهمة: [في أدب التعامل بين الشيخ والمريد]

يلاحظ أن الأفعال الثلاثة التي فعلها الخضر عليه السلام غير جائزة شرعا- ولا مندوبة شرعا- ولكن حيث علم الخضر من الخفايا التي تقتضي الإباحة أو الندب ما لم يعلمه موسى فعلها الخضر، وأنكرها موسى عليه السلام. ومع أن موسى قد علم بإعلام الله أن الخضر أعلم منه في جوانب، وأنه ذهب ليتعلم، ومع ذلك أنكر إذ رأى الأمر

من زاوية المخالفة مع كافة ما اشترط عليه الخضر، ولا شك أن القصة مربية ومعلمة. تربينا على أدب الصحبة، ولنا في الخضر قدوة، ولنا في موسى أسوة، وقدوتنا بموسى إن لم يكن الخضر نبيا هي الأولى لأن الله قال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. ومن ثم فإنه لا يسع المسلم إذا رأى ما ظاهره منكر، إلا أن ينكره كائنا من كان فاعله. ولكنه في حالة كون الفاعل صالحا فإن الإنكار ينبغي أن يكون مرافقا للأدب، لاحتمال أن يكون للمسألة وجه، هذا في المسائل التي يمكن أن يكون لها أكثر من وجه.

نقول هذا ونؤكده لأن هناك ناسا من الشيوخ يطالبون تلاميذهم بالأدب الذي طالب به الخضر موسى، ومريدوهم إذا رأوهم على منكر لم يعاملوهم كما عامل موسى الخضر، بل يأوّلون حتى الأمور التي ليس لها إلا وجه واحد في الشريعة، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن قال: بقرآني بآياتي لو أمرني الشيخ أن أسجد للّات لفعلت. وبلغ الأمر ببعضهم أنه لو رأى شيخه يشرب الخمر، فإنه يحسن الظنّ به، ويعتبر أن لذلك وجها، فأي ضلال مشترك ما بين هذا النوع من الشيوخ، وهذا النوع من التلاميذ، وكيف يبقى دين الله بمثل هذا؟ والله عزّ وجل يقول لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها (الجاثية: ١٨).

وقد رأينا في عصرنا من البلايا بسبب مثل هذه التصورات الفاسدة الشئ العجيب الغريب، حتى لقد تجد أن بعض الشيوخ أضل بمواقفه عشرات الآلاف من التلاميذ نتيجة لمثل هذه الاستنباطات الفاسدة.

إن شريعتنا كاملة، وكل وضع له في شريعتنا حكم. وعلى الداعية إلى شئ أن يقيم الدليل، وإلا فاتّباع كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم هو الأولى.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>