للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس قَوْماً أي أمّة من الأمم قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً هذا القول الموجّه لذي القرنين، هل كان إلهاما فيكون وليا؟ أو كان وحيا له فيكون نبيا؟ أو يكون وحيا بواسطة نبي معه فيكون صديقا؟ ليس عندنا ما نستطيع الجزم به. والآية تفيد أنه خيّر بين أن يعذبهم بالقتل إن أصرّوا على أمرهم، وبين أن يتخذ

فيهم حسنا بإكرامهم وتعليمهم الشرائع إن آمنوا، وقد يراد بالتعذيب القتل، وباتخاذ الحسن الأسر، لأنه بالنظر إلى القتل إحسان. قال ابن كثير: معنى هذا أن الله تعالى مكّنه منهم، وحكّمه فيهم، وأظفره بهم. وخيّره إن شاء قتل وسبى، وإن شاء منّ وهدى. فكان موقفه

قالَ أي ذو القرنين أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي عذابا ذا نكارة، وأي عذاب أفظع من النار، يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك، فذاك هو المعذّب في الدارين

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أي عمل ما يقتضيه الإيمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي فله الحسنى أي الجنة جزاء عند ربه وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي ذا يسر، أي لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسّر من الزكاة والخراج وغير ذلك. دلّ ذلك على إيمانه بالله واليوم الآخر، كما دلّ على عدله، وعلى أن القوة لم تخرجه إلى البطر، بل كانت قوته في خدمة دين الله ودعوته. كما دلّ على كمال رحمته وشفقته برعيته المؤمنة. فهو نموذج للملك المسلم الذي عنده من عالم الأسباب غايته، فهو لا يفرط في الآلات ولا في الوسائل، ويستخدم ذلك كله في الجهاد، ويعامل أعداء الله بما يستحقون، ويعامل رعيته المسلمة بكمال الرحمة والشفقة

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي ثم سلك طريقا فسار من مغرب الشمس إلى مطلعها.

والظاهر أنه كلما مرّ بأمّة قهرهم وغلبهم، ودعاهم إلى الله عزّ وجل. وفعل بهم فعله الأول، واستخدم من كل أمة ما تستعين به جيوشه على قتال الإقليم المتاخم لهم. فهذا كله يمكن أن يفهم من السياق

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أي حتى إذا بلغ أقصى الشرق وَجَدَها أي الشمس تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ أي على أمة لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً أي من دون الشمس، وهذا يحتمل أنهم ليس لهم بناء يكنّهم، ولا أشجار تظلهم، وتسترهم من حر الشمس، فكأن الأرض صحراوية، ويحتمل أنهم كانوا عراة فهم كانوا متخلفين جدا. فإذا كان المراد بهؤلاء القوم من هم في أقصى الشرق وهم الصينيون، فينبغي أن يكون زمن ذي القرنين سحيقا في القدم، إذ الشعب

<<  <  ج: ص:  >  >>