للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضلت عنه الأمم في كل ما هو الأحب إلى الله والحق عنده، هديناكم إليه، وخصصناكم به. ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.

كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ. هذه الآية، إما أنها متعلقة بما قبلها، فيصبح المعنى: ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول الذي يتلو ... وإما أنها متعلقة بما بعدها. فيصبح المعنى: كما ذكرتكم بإرسال الرسول فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب. فعلى هذا القول يوقف على تَهْتَدُونَ وعلى القول الأول لا يوقف.

والخطاب في مِنْكُمْ للعرب. وفي ذلك إشعار للعرب بنعمة الله عليهم. فما أخس العرب إذا تركوا دعوة الله ودينه بعد ما خصهم الله بها من جميع الأمم. وكلفهم بتبليغها لكل الأمم. يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا أي: يقرؤها عليكم. وآيات الله هي كتابه.

وَيُزَكِّيكُمْ أي: يطهركم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ويخرجكم من الظلمات إلى النور. وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ. أي: القرآن. فهو يقرأ عليهم القرآن ويعلمه لهم. ففي التعليم زيادة على التلاوة. وذلك أن التلاوة وحدها مقصودة. وتعليم القرآن كذلك مقصود ولهذا فإن علينا أن نقيم حلقات التلاوة والتجويد، كما نقيم حلقات التفسير. وَالْحِكْمَةَ الحكمة: السنة والفقه.

وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مما لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي. كانوا في الجاهلية الجهلاء، فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء. فصاروا أعمق الناس علما، وأبرهم قلوبا، وأقلهم تكلفا، وأصدقهم لهجة.

ولهذا ندب الله المؤمنين بالآية التالية إلى الاعتراف بهذه النعمة، ومقابلتها بذكره وشكره فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ.

فاذكروني بالطاعة، أذكركم بالمغفرة. أو بالثناء والعطاء. أو اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال. أو اذكروني بالتوبة، أذكركم بعفو ... أو اذكروني بالإخلاص، أذكركم بالخلاص. أو اذكروني بالمناجاة، أذكركم بالنجاة. أو اذكروني بهذا كله وغيره ومثله، أذكركم بهذا كله وغيره ومثله. واشكروا لي ما أنعمت به عليكم ولا تكفرون أي: لا تجحدوا نعمائي. أمر الله تعالى بشكره، ووعد على شكره بمزيد الخير وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. (سورة إبراهيم) قال الله عزّ وجل: «يا ابن آدم .. إن ذكرتني في نفسك، ذكرتك في نفسي. وإن ذكرتني في ملأ، ذكرتك في ملأ من الملائكة. أو قال: في ملأ خير منه. وإن دنوت مني شبرا، دنوت منك ذراعا. وإن دنوت مني ذراعا، دنوت منك باعا. وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة».

<<  <  ج: ص:  >  >>