للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقدسة، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب. فأمرهم بالذي أمرهم به أن يبلغهم من الوظائف، فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل، والكتاب بأيديهم، وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا مدينة فيها قوما جبارين، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمرا عجيبا من عظمها. فقالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين لا طاقة لنا ولا ندخلها ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. قال رجلان من الذين يخافون، قيل ليزيد هكذا قرأه قال نعم من الجبارين آمنا بموسى وخرجا إليه، قالوا نحن أعلم بقومنا إن كنتم تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، ويقول أناس إنهم من قوم موسى فقال الذين يخافون بنو إسرائيل قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ فأغضبوا موسى، فدعا عليهم وسماهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك، لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم، حتى كان يومئذ فاستجاب الله له، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار، وظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا، وأمر موسى فضربه بعصاه؛ فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، فلا يرتحلون من مكان إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس.

٣ - في قوله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي أكثر من اتجاه للمفسرين ذكر منها ابن كثير قولين، وأشار إليها النسفي كلها وهذا كلام النسفي وابن كثير:

قال النسفي: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (أي لتذكرني فيها، لاشتمال الصلاة على الأذكار، أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها، أو لأن أذكرك بالمدح والثناء، أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، أو لتكون لي ذاكرا غير ناس، أو لأوقات ذكري، وهي مواقيت الصلاة لقوله: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها، وذا يصح بتقدير حذف المضاف، أي لذكر صلاتي، وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها).

<<  <  ج: ص:  >  >>