للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الموقف للكافرين، الذي رأيناه، والذي يوصل إلى أنه لا فائدة من إنذارهم، يكافئه أن يعلن الرسول هذا الإعلان: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ إن الموقف المكافئ لموقف الكافرين فيما افتروه واختلقوه من الكذب أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا قالَ أي محمد رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي يعلم قول كل قائل، في السماء أو في الأرض سرا كان أو جهرا وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوالكم الْعَلِيمُ بأحوالكم، إن إعلان الرسول عن هذا هو الذي يمثل الموقف الجدي من موقفهم الهازل الهازئ، إن الإعلان الرصين ليس موجها لهم مباشرة لأنهم لا ينتفعون به، إلا أن مثل هذا الموقف يثيرهم أكثر وأكثر ومن ثم ينتقلون من موقف التناجي السري والتآمر الخفي إلى الإعلان السافر والاتهام القذر:

بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي تخاليط أحلام أي تخاليط منامات بَلِ افْتَراهُ أي بل اختلقه بَلْ هُوَ شاعِرٌ أي أديب نسج هذا القرآن على هذه الشاكلة، أو المراد أنه شاعري العواطف والتعبير، ومن ثم يقول هذا الكلام، ويعبر الكافرون في عصرنا عن ذلك:

إنه عاطفي وليس موضوعيا فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ أي بمعجزة كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي كما أرسل من قبله باليد البيضاء، والعصا وإبراء الأكمه، وإحياء الموتى، وصفوا القرآن أولا بأنه سحر، ثم أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، رآها في نومه فتوهمها وحيا من الله إليه، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر، وهكذا فالباطل لا يستقر على قول، والمبطل متناقض لا يثبت على قول واحد

قال ابن كثير في الآية: (هذا إخبار عن تعنت الكفار، وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحرا، وتارة يجعلونه مفترى).

[كلمة في السياق]

من خلال هذه الآيات الخمس التي مرت معنا ندرك حقيقة الحالة الكفرية للإنسان الذي لا ينفع معه الإنذار، إنه الإنسان الذي يعتبر الوحي أضغاث أحلام، وأنه مكذوب، وأن الرسول إنسان عاطفي غير موضوعي، إن هذا النوع من الكفار هم الذين يطلبون الآيات متعنتين، وهم مستغرقون في الغفلة والإعراض واللعب وسهو القلب، والتآمر على الرسالة والرسول، هذه هي أعراض الكفر الكامل الذي لا ينفع معه إنذار، وبعد أن عرضت السورة علينا هذا الواقع للكفر، فإن مجموعاتها اللاحقة تقيم الحجة على الكافرين مرة بعد مرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>