للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ

وإذ قامت الحجة عليهم ببطلان ما تصوروه ورد ما زعموه فإن السياق الآن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ

أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

أي متبعون على ذلك مستسلمون منقادون له، أي أسلموا، حصر الوحي كله بالتوحيد ووجوب الاستسلام للوحي

فَإِنْ تَوَلَّوْا أي فإن تركوا ما دعوتهم إليه، أي فإن أعرضوا عن الإسلام فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ أي أعلمتكم ما أمرت به مستوين في الإعلام به ولم أخصص بعضكم.

قال النسفي: وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية. ويمكن أن يكون المعنى: فقل أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي، بريء منكم كما أنتم برآء مني، أي أعلمتكم ببراءتي وبراءتكم مني لعلمي بذلك وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ أي ولا أدري متى يكون يوم القيامة، لأن الله يطلعني عليه ولكني أعلم بأنه كائن لا محالة، أو لا أدري متى يحل بكم العذاب إن لم تؤمنوا

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ في صدوركم من الأحقاد للمسلمين، وهو يجازيكم عليه

وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ أي امتحان وَمَتاعٌ أي تمتيع إِلى حِينٍ أي إلى الموت أي وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم؛ لينظر كيف تعملون وتمتيع لكم إلى الموت؛ ليكون ذلك حجة عليكم، وهكذا أمرت هذه المجموعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينذر الإنذار الأخير، وأن يرد الرد النهائي الحاسم.

[كلمة في السياق]

قلنا إن محور سورة الأنبياء من سورة البقرة هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقد رأينا في المجموعة الأخيرة كيف أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر، فدل ذلك على أن استواء الإنذار وعدمه في حق الكافرين شئ، ووجب التبليغ واتخاذ المواقف شئ آخر.

ولم يبق عندنا في المجموعة إلا آية واحدة هي خاتمة هذه السورة وهي قوله تعالى:

قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ

قالَ أي الرسول صلى الله عليه وسلم رَبِّ أي يا رب احْكُمْ بِالْحَقِّ أي اقض بيننا وبين الكافرين بالعدل وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ أي العاطف على خلقه الْمُسْتَعانُ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>