للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أصل الحياة، منقطعة عن أصل الفطرة، تنكر وجود الله. وهي نبتة شاذة لا جذور لها في أصل الوجود. ومن ثم فمصيرها حتما إلى الفناء والاندثار من هذا الوجود. هذا الوجود الذي لا يطيق تكوينه، ولا تطيق فطرته بقاء هذا الصنف من الخلائق المقطوعة الجذور.

ومن وحدانية الألوهية التي يؤكدها هذا التأكيد، بشتى أساليب التوكيد، يتوحد المعبود الذي يتجه إليه الخلق بالعبودية والطاعة، وتتوحد الجهة التي يتلقى منها الخلق قواعد الأخلاق والسلوك، ويتوحد المصدر الذي يتلقى الخلق منه أصول الشرائع والقوانين، ويتوحد المنهج الذي يصرف حياة الخلق في كل طريق».

٣ - وفي الصلة بين آية وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وما قبلها، وما بعدها يقول القرطبي: «لما حذر تعالى من كتمان الحق، بين أن أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه: أمر التوحيد. ووصل ذلك بذكر البرهان، وعلم طريق النظر، وهو الفكر في عجائب الصنع، ليعلم أنه لا بد له من فاعل لا يشبهه شئ».

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

هذه الآية جسر بين ما قبلها وما بعدها. فما قبلها وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ وهذا دليل وحدانيته ورحمته. وما بعدها وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وهذه الآية دليل على أنه وحده الحري بالمحبة، إذ هو المنعم الوحيد. وإذ كانت هذه آياته فهو حري ألا يكفر، وألا يكتم هداه، وأن يطاع أمره في كل شئ، وأن يسلم له في قضائه وقدره، وأن يستعان به. فهذه الآية هنا بعد ما سبق من توجيهات، تفيدنا زيادة يقين وتمسك وطاعة والتزام. والآية كما أنها تقرير، فهي أمر بالتفكر في هذا الكون. فهي واحدة من توجيهات هذا المقطع: استعينوا ... اسعوا ... لا تكتموا ... لا تكفروا ...

تفكروا ... ثم في المجموعة القادمة: أحبوا الله. وقد ذكر النسفي بمناسبة هذه الآية حديثا هو: «ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها» أي: لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها. في كتابنا «الله جل جلاله» تحدثنا عن تسع ظواهر في هذه الكون. كل منها يدل على الله

<<  <  ج: ص:  >  >>