للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تتواكب الأطياف والذكريات من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يدرج في طفولته وصباه فوق هذا الثرى، حول هذا البيت وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفئ الفتنة التي كادت تنشب بين القبائل .. وهو يصلي ..

وهو يطوف .. وهو يخطب .. وهو يعتكف .. وإن خطواته- عليه الصلاة والسلام- لتنبض حية في الخاطر، وتتمثل شاخصة في الضمير. يكاد الحاج هناك يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات .. وخطوات الحشد من صحابته الكرام وأطيافهم ترف وترف فوق هذا الثرى، حول ذلك البيت، تكاد تسمعها الأذن وتكاد تراها الأبصار!

والحج بعد ذلك كله مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا .. ويجدون محورهم الذي يشدهم جميعا إليه: هذه القبلة التي يتوجهون إليها جميعا .. ويلتقون عليها جميعا ويجدون رايتهم التي يفيئون إليها راية العقيدة الواحدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان .. ويجدون قوتهم التي قد ينسونها حينا .. قوة التجمع والتوحد والترابط الذي يضم الملايين.

الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدد راية العقيدة والتوحيد.

وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرة في كل عام، في ظل الله، بالقرب من بيت الله، وفي ظلال الطاعات البعيدة والقريبة.

والذكريات الغائبة والحاضرة، في أنسب مكاف وأنسب جو، وأنسب زمان.

فذلك إذ يقول الله سبحانه: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ كل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته وذلك بعض ما أراده الله بالحج يوم أن فرضه على المسلمين، وأمر إبراهيم- عليه السلام- أن يؤذن به في الناس.).

٩ - في الآية التي حددت حكم الحج ورد قوله تعالى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ وقد اختلف المفسرون والفقهاء في هذه الأيام المعلومات، فمن ربط بينها وبين الذبح رأى أنها يوم النحر، ويومان أو ثلاثة بعده، ومنهم من لم يربط بينها وبين ذلك، وقد لخص ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>