للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - بمناسبة قوله تعالى وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز- يعني الوبر والدم- فأنزل الله وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا الآية، وكذا رواه النسائي، وأصله في الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» وروى ابن أبي حاتم عن وهب بن عمر ابن كيسان قال: حبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتا من شعر يا أبا عبد الله؟ فقال وهب: نحن في طرف من عذاب الله، والله يقول: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ قال: وصام وهب ثلاثا متواصلة، فقيل له ما هذا الصوم يا أبا عبد الله؟ قال أحدث لنا فأحدثنا: يعني أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة).

[كلمة في السياق]

بعد المجموعة الأولى التي حددت صفات من يسارع إلى الخيرات، وبينت أن التكليف بحسب الطاقة وأن بعض القلوب في غمرة من مثل هذه الخصائص، وأعمال أصحابها سيئة، جاءت هذه المجموعة المبدوءة ب حَتَّى والمنتهية ب حَتَّى والتي ذكر فيها نوعان من المنبهات: حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ الأولى افتتحت بها المجموعة. والثانية ختمت بها المجموعة. والذي أفهمه أن الله عزّ وجل أشار في الآيتين إلى نوعين من العذاب: عذابا يخص به، وعذابا يعم به. وكنموذج على العذابين في زمن النبوة: ضربة بدر، إذ أصابت في الغالب المترفين، ثم تسليط القحط على قريش حتى أكلوا الوبر بالدم. وكنموذج على العذابين في بلاد الإسلام: أن سلط الله الأنظمة المتطرفة على المترفين أولا، ثم عم بعذاب هذه الأنظمة الأمة. ففي العذاب الأول لا نرى أحدا يتعظ، وفي العذاب الثاني ييأس الناس. وفي ذكر هذين النوعين من العذاب تخليص للمسلم المؤمن من الغمرة إن أصابته، وفيما بين العذابين ذكر الله الأدلة، ووجه النظر، وأقام الحجة على الإيمان لاستخراج العمل الصالح، والآن تأتي مجموعة تذكر بفعل الله للإنسان، وصلة ذلك بقضية اليوم الآخر، والرد على من أنكره، وفيها أوامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتختم المجموعة بكلمة حَتَّى كما ختمت المجموعة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>