للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتدأت السورة بذكر الحقيق بالحمد والثناء ووصفته بالصفات العظام فتعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع، والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بهذه الصفات العظام فقيل إِيَّاكَ يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة وأطلقت الاستعانة لتتناول كل ما يطلب العون من الله فيه. ثم قيل اهْدِنَا، بيانا للمطلوب الأول من المعونة فكأنهم سئلوا عن ماهية المعونة التي يريدونها فقالوا: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ .. فالاهتداء إلى الصراط المستقيم لا يكون إلا بالله، ولا تنال عطايا الله بالهداية إلا بالافتقار إليه ومظهر ذلك طلب المعونة منه ولا يوصل إلى الافتقار مثل دوام العبادة، ولا عبادة إلا بمعرفة، ومعرفة لا يعطى فيها الحمد كله لله معرفة قاصرة، ينظر العبد ما أعطي فيقول: الحمد لله، فإذا ما استقرت معرفته خاطب ربه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ثم دعاه بما هو الأهم والأعظم وهو الاهتداء في الأمر كله.

من المعاني الكبرى في الإسلام: موضوع لزوم الجماعة «أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه .. » والسورة دلتنا من خلال الخطاب الجماعي إِيَّاكَ نَعْبُدُ اهْدِنَا ..

على أن الأصل في المسلم أن يكون جزءا من كل هو جماعة المسلمين وأن الأصل في التربية الإسلامية أنها تقوم على التربية الجماعية.

ويلاحظ من السورة أن الصراط المستقيم مظهره شيئان السير في طريق المنعم عليهم وتنكب صراط المغضوب عليهم والضالين. والمنعم عليهم فصل الله فيهم في الآية:

فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ، وهناك نص ستراه ذكر أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى. وإذا كان هؤلاء وهؤلاء كذلك فمن باب أولى غيرهم. وكثيرا ما ينسى الناس هذه المعاني فلا يفطنون أن الشهداء هم القدوة، وأن الصديقين هم القدوة، وأن الصالحين هم القدوة، فضلا عن النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وبعضهم يفطن لذلك، ولكنهم ينسون تنكب طرق الضالين والمغضوب عليهم، ومن ثم فإن على المسلم وهو يقرأ كتاب الله أن يتفطن لهذا وهذا، فالقرآن فصل هذا كله، والمسلم عليه أن ينتبه لأخطاء أهل الضلال وأهل الغضب فيتخلى عنها، بل عليه من الأصل ألا يقربها وعليه أن يفطن لمظاهر القدوة فيسير فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>