للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر، وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها، ففيه وجهان. في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي، وغيره أنه لا يجوز، والثاني يجوز لأن الأصل عدم ثورانها، فلا يحرم بالشك بل قد يكره، والأول هو الراجح، كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز، وإن كانت الشهوة منتفية، لكن لأنه يخاف ثورانها، ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة، ولهذا كان هذا النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما، إلا إذا كان لحاجة راجحة، مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما، فإنه يباح النظر للحاجة، لكن مع عدم الشهوة، وأما النظر لغير حاجة محل الفتنة فلا يجوز.

ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وأدامه، وقال: إني لا انظر لشهوة، كذب في ذلك، فإنه إذا لم يكن له داع يحتاج معه إلى النظر، لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك.

وأما نظر الفجأة فهو عفو، إذا صرف بصره، كما ثبت في الصحاح عن جرير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: «اصرف بصرك» رواه مسلم، وأحمد، وفي السنن أنه قال لعلي رضي الله عنه «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية»: وفي الحديث الذي في المسند وغيره «النظر سهم مسموم من سهام إبليس»: وفيه «من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها يوم القيامة» أو كما قال.

ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:

إحداها: حلاوة الإيمان، ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والنفس تحب النظر إلى هذه الصور، لا سيما نفوس أهل الرياضة والصفا، فإنه يبقى فيها رقة تنجذب بسببها إلى الصور حتى تبقى الصورة تخطف أحدهم وتصرعه كما يصرعه السبع.

ولهذا قال بعض التابعين: ما أنا على الشاب التائب من سبع يجلس إليه بأخوف عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>