للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حدث جميل يجلس إليه، وقال بعضهم: اتقوا النظر إلى أولاد الملوك فإن فتنتهم كفتنة العذارى، وما زال أئمة العلم والدين كأئمة الهدى وشيوخ الطريق يوصون بترك صحبة الأحداث، حتى يروى عن فتح الموصلي أنه قال: صحبت ثلاثين من الأبدال كلهم يوصيني عند فراقه بترك صحبة الأحداث، وقال بعضهم: ما سقط عبد من عين الله إلا ابتلاه بصحبة هؤلاء الأنتان.

ثم النظر يولد المحبة، فتكون علاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم صبابة لانصباب القلب إليه، ثم غراما للزومه للقلب كالغريم الملازم لغريمه، ثم عشقا إلى أن يصير تتيما، والمتيم المعبد، وتيم الله: عبد الله، فيبقى القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون أخا ولا خادما، وهذا إنما يبتلى به أهل الأعراض عن الإخلاص لله الذين فيهم نوع من الشرك، وإلا فأهل الإخلاص كما قال الله في حق يوسف عليه السلام كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (يوسف: ٢٤) فامرأة العزيز كانت مشركة، فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبيته ومراودتها له واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة، عصمه الله بإخلاصه لله تحقيقا لقوله لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (الحجر:

٣٩، ٤٠) قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (الحجر: ٤٢) والغي: هو اتباع الهوى.

وهذا الباب من أعظم أبواب اتباع الهوى، ومن أمر بعشق الصور من المتفلسفة كابن سينا وذويه، أو من الفرس، كما يذكر عن بعضهم من جهال المتصوفة، فإنهم أهل

ضلال، فهم مع مشاركة اليهود في الغي، والنصارى في الضلال، زادوا على الأمتين في ذلك، فإن هذا- وإن ظن أن فيه منفعة للعاشق كتلطيف نفسه وتهذيب أخلاقه، أو للمعشوق من السعي في مصالحه وتعليمه وتأديبه، وغير ذلك- فمضرة ذلك أضعاف منفعته، وأين إثم ذلك من نفعه.

وإنما هذا كما يقال إن في الزنا منفعة لكل منهما، بما يحصل له من اللذة والسرور، ويحصل لها من الجعل وغير ذلك، وكما يقال: إن في شرب الخمر منافع بدنية ونفسية:

وقال تعالى في الخمر والميسر قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما (البقرة: ٣٢٩) وهذا قبل التحريم، دع ما قاله عند التحريم، وبعده، فإن التعبد بهذه الصور هو من جنس الفواحش، وباطنه من باطن الفواحش، وهو من

<<  <  ج: ص:  >  >>