للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإحسان، ولكن ليس له أن يشتد على من خالفه ما دام على رأي للأئمة، وفي هذا المقام نحب أن نسجل ملاحظة: هي أن هناك أقوالا تسع عصرا من العصور، فمن المصلحة في هذه الحالة ألا نعارض مثل هذه الأقوال، إذا كان عليها بعض أئمة الاجتهاد، لأن طاقة الناس ليست واحدة في مجابهة الضغوط الاجتماعية، فإذا اتضح هذا المقام فلننقل كلام ابن كثير كله في هذه الآية؛ فإنه استوعب الأقوال كلها قال في الآية: (هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات، وغيرة منه لأزواجهن عبادة المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية، وفعال المشركات، وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكر مقاتل بن حيان قال: بلغنا- والله أعلم- أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث أن أسماء بنت مرثد كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات، فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله تعالى وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ الآية، فقوله تعالى وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ أي عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا، واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي من حديث الزهري ... أن أم سلمة كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة فقالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه، وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه» فقلت: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوعمياوان أنتما، أو ألستما تبصرانه؟» ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد، وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه، وهو يسترها منهم، حتى ملت ورجعت. وقوله وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ قال سعيد بن جبير: عن الفواحش، وقال قتادة وسفيان: عما لا يحل لهن، وقال مقاتل: عن الزنا، وقال أبو العالية: كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا إلا هذه الآية وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أن لا يراها أحد، وقوله تعالى وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه،

<<  <  ج: ص:  >  >>