للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة- وأن الذين يتخذون من دون الله أندادا سينالهم ما ينالهم .. شرع يبين هنا أنه الرازق لعباده، وأنه هو الذي يشرع لهم الحلال والحرام .. وهذا فرع عن وحدانية الألوهية كما أسلفنا. فالجهة التي تخلق وترزق هي التي تشرع، فتحرم وتحلل. وهكذا يرتبط التشريع بالعقيدة بلا فكاك ... ».

(وهذا الأمر بالإباحة والحل لما في الأرض- إلا المحظور القليل الذي ينص عليه القرآن نصا- يمثل طلاقة هذه العقيدة، وتجاوبها مع فطرة الكون، وفطرة الناس. فالله خلق ما في الأرض للإنسان، ومن ثم جعله له حلالا، لا يقيده إلا أمر خاص بالحظر، وإلا تجاوز دائرة الاعتداء والقصد. ولكن الأمر في عمومه أمر طلاقة واستمتاع بطيبات الحياة، واستجابة للفطرة بلا كزازة ولا حرج ولا تضييق .. كل أولئك بشرط واحد، هو أن يتلقى الناس ما يحل لهم وما يحرم من الجهة التي ترزقهم هذا الرزق. لا من إيحاء الشيطان الذي لا يوحي بخير لأنه عدو للناس بين العداوة. لا يأمرهم إلا بالسوء والفحشاء، وإلا بالتجديف على الله، والافتراء عليه، دون تثبت ولا يقين).

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً: الأمر هنا للإباحة، والحلال الطيب هو الطاهر من كل شبهة. ولم يحرم الله علينا إلا ما كان ضارا بالأبدان أو العقول أو الأنفس أو بها كلها، ومن ثم فالحلال وحده هو المستطاب. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: طرقه التي يدعوكم إليها. يقال: اتبع خطواته، إذا اقتدى به، واستن بسنته. وخطوات تزيين الحرام واتباع الشهوات ... إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. أي ظاهر العداوة. لا خفاء في عداوته. ولكن الأمر ملبس على أولياء الشيطان، فإنه يريهم في الظاهر الموالاة، ويزين لهم أعمالهم، فيأتيهم من حيث يشتهون، وإنما يريد بذلك هلاكهم في الباطن.

إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ أي بالقبيح، أو ما لا حد فيه من الذنوب وَالْفَحْشاءِ أي ما يتجاوز الحد في القبح من العظائم، أو ما فيه حد من الذنوب.

وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ هو قولهم: هذا حلال وهذا حرام بغير علم، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله تعالى مما لا يجوز عليه. فصار المعنى العام:

إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وبما هو أغلظ منها: الفاحشة، كالزنا ونحوه. وبما هو أغلظ من ذلك، وهو: القول على الله بلا علم. فيدخل في هذا كل كفر

وكل ابتداع.

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ: الضمير للناس، والمقصود به بعضهم من أهل الكفر والشرك والنفاق. قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا. أي

<<  <  ج: ص:  >  >>