للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريعة فكيف يكون هداه؟ إنه يكون على غاية من الهدى في كل ما يفعل ويذر، فهذا نموذج على هدى الله الذي هدى به السماوات والأرض، فالله عزّ وجل ضرب مثلا لهداية السموات والأرض بحال المؤمن المهتدي بنور الشريعة والنص في سياقة يفيد أن الله- عزّ وجل- إذا هدى أحدا بهداه الخاص فإنه بذلك يكون منسجما مع نظام الكون كله، إن هذه الآية لا يفهمها إلا من اجتمع له علم وسلوك إلى الله أمثال هؤلاء هم الذين يدركون المعنى الحقيقي للآية. ولتوضيح هذا المقام نذكر الحديث الذي ذكره ابن كثير عند هذه الآية، والذي رواه الإمام أحمد وقال عنه ابن كثير إسناده جيد ولم يخرجوه.

أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس مصفح، فأما القلب الأجرد: فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف: فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس: فقلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح: فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة، يمدها الدم والقيح فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه».

إن هذا الحديث يعتبر أساسا في فهم موضوع القلب والسلوك، فالقلب المذكور فى الآية هو القلب الأجرد الذي فيه مثل السراج يزهر، هذا القلب يحتاج إلى مدد دائم بالعمل بالشريعة فذلك زيته ووقوده، والقلب المصفح قلب يحتاج إلى جهد مضاعف، كي يتخلص من رواسبه ونفاقه ليصل صاحبه إلى القلب الأول، وقد يحتاج إلى طبيب يعرف كيف يداويه، وأما القلب المنكوس والقلب الأغلف فهذان انتهى أمرهما، ولم يعد منهما خير، أو فيهما أمل، إنه ما لم يكن في القلب شئ من نور الفطرة، فإن الإنسان يكاد يكون ميئوسا منه، ولكون هذا غيبا فإن علينا أن ندعو، والإحساس بهذه المعانى- كما قلنا من قبل- لا يدركها إلا من اجتمع له علم وسلوك، وسير قلبي إلى الله.

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أي أمر الله أَنْ تُرْفَعَ أي تبنى أو تعظم وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ بالصلاة والذكر والعلم، وقراءة القرآن، والمراد بها المساجد، وتقدير الكلام.

كمشكاة في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، وقد رأينا أن المراد بالمشكاة في

<<  <  ج: ص:  >  >>