للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقدمات طويلة توطئ للالتزام.

لقد جاء في وسط السورة مقطع يتحدث عن الهداية والضلال، ثم جاءت مجموعة تتحدث عن علامات الهداية والضلال، وكل ذلك قبل ما تبقى من المقطع الثالث لاحتياج هذه المعاني إلى تلك التوطئات.

لقد جاءت في وسط السورة آيات فيها معان تخدم الالتزام في الأحكام، وجاء على حافتي هذه الآيات آيات فيها أحكام. وقبل أن نعرض آيات المجموعة الثانية من المقطع الثالث فلنذكر بعض النقول والفوائد.

[نقل]

بمناسبة قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. قال الأستاذ المودودي في تفسيره لسورة النور:

(هذا وعد من الله تعالى للمسلمين، بأنه سيجعلهم خلفاء الأرض- أي أئمة الناس وقادتهم- والمقصود من هذه الآية- كما أشرنا إليه من قبل- تنبيه المنافقين على أن هذا الوعد الذي قد قطعه الله تبارك وتعالى للمسلمين، ليس الخطاب فيه لكل من ينتمي إلى الإسلام ولو اسما، بل إنما هو للمسلمين الذين هم صادقون في إيمانهم، وصالحون باعتبار أخلاقهم وأعمالهم، ومتبعون لدين الله الذي قد ارتضاه لهم، وملتزمون لعبادته وعبوديته وحده، وغير مشركين به شيئا، وأما الذين ليسوا على تلك الصفات، وإنما يدعون الإيمان بألسنتهم، فلا يستأهلون هذا الوعد؛ لأنه لم يقطع لهم، فلا يرجون أن ينالوا نصيبا منه.

قد رأينا بعض المغرضين من الناس يجعلون «الخلافة» بمعنى: مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم والتمكن، ثم يستنتجون من هذه الآية أن كل من حصل له العلو والغلبة في الأرض، فهو مؤمن صالح، متبع لدين الله المرتضى، قائم بعبوديته مجتنب للشرك به. بل هم- فوق ذلك- يبدلون مفهوم كل كلمة من كلمات الإيمان والصلاح والدين والعبادة والشرك، حتى يجعلوها متفقة مع أهوائهم ونظريتهم الزائغة هذه. فهذا أشنع تحريف معنوي للقرآن، قد فاق تحريف اليهود والنصارى لكتبهم، عند ما أعطى لآية الاستخلاف هذه معنى يريد أن يمسخ تعليم القرآن كله، ولا يترك شيئا من الإسلام في مقامه، فإنه لا بد- بعد هذا التحريف للخلافة- أن تنطبق هذه الآية على كل من

<<  <  ج: ص:  >  >>