للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ...

وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ...

تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً وكل من هذه الآيات في محلها فيها معجزة وإعجاز وقد رأينا ذلك.

..

إنه بعد التكليفات الكثيرة في سورة النور تأتي سورة الفرقان لتعمق الإيمان، وترقي المسلم، وتثبته على الاستقامة، وتفرق بين ما هو حق وما هو باطل. وتحدد معالم الباطل الرئيسية وتحدد معالم الحق الرئيسية، وتؤكد على التمسك بالأخلاق الأساسية، وتربي الإيمان العميق بالنذير والقرآن والتوحيد، وتعرف على الله منزل القرآن ومرسل النذير.

إن بدء السورة بقوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ثم مجيء قوله تعالى في أواخر السورة: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً إن في ذلك تعريفا لنا على الله، إلى أن الله يعرف بالقرآن، ويعرف بالخلق، وإن في قوله تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ما يدل على أن معرفة الله حق المعرفة هدف من أهداف السورة الكبري؛ لارتباط كل شئ بهذا الأصل، فما وقع البشر بخطإ إلا كأثر عن معرفة قاصرة ناقصة لله تعالى.

...

وكما عمقت السورة بشكل غير مباشر معرفة الله، فإنها عمقت معنى العبودية لله، وهو موضوع قد حدث خلل كبير بسببه في التفكير البشري، إذ نقطة البداية في الهداية والضلال: هل الإنسان حر غير مسئول، أو عبد لله مسئول أمامه؟ لقد نصبت كتابات كتاب في العالم في عصرنا على تعميق حرية الإنسان، وعدم مسئوليته أمام الله، وكانت آخر قفزة لهذه الفكرة هي الفلسفة الوجودية، التي أعطت هذه الفكرة كل أبعادها الفلسفية، وزخرفتها الكاذبة، وهي الفلسفة التي توافق الأهواء البشرية؛ إذ تطلق للإنسان حريته الشهوانية، فلا عبادة، ولا التزام، ولا ضبط للشهوات، إطلاقا لها مع الرفض والتمرد، وهي فكرة غير جديدة في تاريخ البشرية، بل تعبير مستمر في

<<  <  ج: ص:  >  >>