للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنعان ... ، قال ابن كثير: لما غلب فرعون وانقطعت حجته عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له، ونافذ في موسى عليه السلام

فقال ما أخبر الله تعالى عنه قالَ فرعون لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قال ابن كثير: لما قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل، عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه، فظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال، وذلك ديدن كل ظالم، أن يلجأ إلى الإرهاب والتهديد به إذا خالفه الناس في مواقفه الظالمة. وقال النسفي: فلما تحير فرعون ولم يتهيأ له، أن يدفع ظهور آثار صنعه قال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ أي لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني. وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر ولا يسمع، فكان ذلك أشد من القتل، ولو قال لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وإن كان أخصر

قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي أتفعل بي ذلك ولو جئتك ببرهان قاطع واضح

قالَ فَأْتِ بِهِ أي بالذي يبين صدقك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أن لك بينة، أي فأحضر ما يدل على صدقك

فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ أي ظاهر واضح في غاية الجلاء والوضوح. قال النسفي: (أي ظاهر الثعبانية، لا شئ يشبه الثعبان، كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر

وَنَزَعَ يَدَهُ أي من جيبه أي من فتحة عند القميص بعد أن وضعها تحت إبطه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ قال النسفي: دليل على أن بياضها كان شيئا يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة، وكان بياضها نوريا.

وقال ابن كثير: أي تتلألأ كقطعة من القمر فبادره فرعون بشقاوته إلى التكذيب والعناد.

قالَ فرعون لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ لمن حوله من أشراف مملكته ووجهائهم وأصحاب النفوذ والرأي فيهم إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ أي فاضل بارع في السحر فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة،

ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته والكفر فيه فقال:

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ أي أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا، فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه ويغلبكم على دولتكم فيأخذ البلاد منكم فأشيروا علي فيه ماذا أصنع به من حبس أو قتل؟ قال النسفي: (لما تحير فرعون برؤية الآيتين، زل عنه، ذكر دعوى الإلهية، وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائصه خوفا، طفق يؤامر قومه الذين هم- بزعمه- عبيده وهو إلههم.

أو جعلهم آمرين ونفسه مأمورا) وذلك دأب الطغاة يتظاهرون بأنهم منفذون لأوامر شعوبهم

قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفا من الفتنة

<<  <  ج: ص:  >  >>