للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث عن علي رضي الله عنه، ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه، ويخلفوه في أهله يعني إن قتل في سبيل الله، كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل، فلما أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فعند ذلك أمن، وكان أولا يحرس حتى نزلت هذه الآية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ولم يكن أحد في بني هاشم إذ ذاك أشد إيمانا ويقينا وتصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من علي رضي الله عنه، ولهذا بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد هذا- والله أعلم- دعاؤه الناس جهرة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا، حتى سمى من سمى من أعمامه وعماته وبناته، لينبه بالأدنى على الأعلى، أي إنما أنا نذير والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي من طريق عمرو بن سمرة عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء رضي الله عنه يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أزهد الناس في الدنيا الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون» وذلك فيما أنزل الله عزّ وجل قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ إلى قوله تعالى: فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ اه.

وبمناسبة هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أقول: إن البدء بإنذار الأقربين علامة على صدق الداعية في دعوته، وعلامة على جديته فيها، ثم إنه هو الطريق الفطري للدعوة. ومن ثم فعلى الداعية أن يعطي دعوة الأقربين جزءا من وقته وعمله.

٣ - ليس هناك أبلغ ولا أعظم ولا أروع في الأمر بالتواضع من قوله تعالى:

وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إن أصل الصلة بين التواضع وخفض الجناح أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض

للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع، ولين الجانب، والملاحظ أن الأمر بخفض الجناح قد ورد أكثر من مرة في القرآن من ذلك قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ .. بالنسبة للوالدين، فإذا أمر الله عزّ وجل رسوله بخفض الجناح فإن هذا يعني أنه أمره بأقصى قدر من التواضع، تواضع يشبه تواضع الابن لوالديه. فمن يطيق هذا الأدب مع كل مؤمن إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>