للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِنَفْسِهِ على أنّ الإيمان لا بدّ أن يرافقه جهاد، وأن مصلحة الجهاد لا تعود إلا على صاحبها. أما الله عزّ وجل فغني عن العالمين. وبهذا قررت السورة أن الإيمان يلازمه الصبر على الامتحان، ويلازمه رجاء الله واليوم الآخر، ويلازمه الجهاد.

فمن فاته الصبر، أو رجاء الله واليوم الآخر، أو الجهاد بمعناه الواسع العريض، فإنه ليس من أهل الصدق في الإيمان. وبعد إذ تقرر هذا كله، أعلمنا الله ما أعده لمن اجتمع له الإيمان والعمل الصالح. وصلة هذه المعاني بمقدمة سورة البقرة واضحة، وخاصة بقوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فعلامة الصدق بالإيمان بالغيب النجاح في الامتحان، وأن لا يريد الإنسان بعمله إلا وجه الله، وأن يجاهد نفسه وشيطانه وأعداء الله عزّ وجل، فالإيمان بالغيب لا بد أن يأخذ مداه العملي في مثل هذا، ثم الإيمان بالغيب لا بد أن يرافقه عمل صالح فذلك علامة على استقراره في القلب، وبتقرير ما أعد الله لمن آمن وعمل صالحا، جاء أوان أن يعرض الله عزّ وجل علينا أمره في شأن الوالدين، فمن أعظم

أبواب الامتحان الوالدان، ومن أعظم الأعمال الصالحة برهما.

....

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً لأنهما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان. فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق، والوصية في الآية تفيد الأمر، أي وأمرنا الإنسان. وقوله حُسْناً أي فعلا ذا حسن، أو فعلا هو الحسن بعينه؛ لفرط جماله وكماله وَإِنْ جاهَداكَ أيها الإنسان لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي لا علم لك بإلهيته، أي وإن جاهداك لتشرك بالله شيئا لا يصح أن يكون إلها وكل ما سوى الله كذلك فَلا تُطِعْهُما أي في ذلك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مرجع من آمن ومن أشرك، فأجازيكم حق جزائكم فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال النسفي: (وفي ذكر المرجع وعيد وتحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الدين) وإذن فمع الوصية بالرأفة والرحمة، والإحسان إلى الوالدين، في مقابلة إحسانهما المتقدم بيّن الله عزّ وجل أنّه إن حرصا على أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما، فلا تطعهما في ذلك؛ فإنّ مرجعكم أيها الناس إليّ يوم القيامة، فيجزيك الله أيها المؤمن بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، ويحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت

<<  <  ج: ص:  >  >>