للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتفكروا فيعلموا هذين الشيئين: أنّ الله خلق السموات والأرض وما بينهما، مقرونة بالحق، مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمّى لا بدّ لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة، ووقت الحساب والثواب والعقاب، والمعنى: أن من تفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما، لا بد أن يصل إلى هاتين النتيجتين: أن السموات والأرض مخلوقة لحكمة، وأن لهما أجلا فلا يمكن أن يبقى نظام هذا الكون على ما هو عليه إلى ما لا نهاية وذلك لا يختلف عليه اثنان من علماء الكون الآن. فمن نظر نظرة صحيحة في الكون لا بدّ أن يصل إلى هذه النّتيجة: أنّه مصنوع بالحق، وأنّ له أجلا، وهذا وهذا يقتضيان وجود اليوم الآخر. ومن ثمّ ختم الله عزّ وجل الآية بقوله:

وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ أي بالبعث والجزاء لَكافِرُونَ أي لجاحدون. وبعد أن أقام الحجة على مجئ اليوم الآخر وعظ الكافرين بقوله:

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ قال ابن كثير: أي بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماع أخبار الماضين. وقال النسفي: هو تقرير لسيرهم في البلاد ... فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كيف دمّروا واستؤصلوا كعاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بأجسامهم وَأَثارُوا الْأَرْضَ أي وحرثوها وَعَمَرُوها أي وعمرها هؤلاء المدمّرون أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أي أكثر مما عمرها هؤلاء المكذبون وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فلم يؤمنوا فأهلكوا فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أي فما كان تدميره إياهم ظلما لهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أي ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم

ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أي إنهم عوقبوا في الدنيا ثم كانت عاقبتهم العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة وهي النار التي أعدت للكافرين أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أي ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها.

[فوائد]

١ - [معنى كلمة (السوأى) في آية ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى .. ]

السوأى: هي تأنيث الأسوأ وهو الأقبح، كما أن الحسنى تأنيث الأحسن.

٢ - [من مظاهر الإعجاز القرآني في آية كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ .. ]

في قوله تعالى عن الماضين: كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها مظهر من مظاهر الإعجاز في هذا القرآن، إذ تجد النص يسع الزمان والمكان، فعند ما ننظر إلى أن التفاضل بين قوة قريش وإثارتها الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>