للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم القيامة هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ أي من معبوديكم الذي زعمتم أنهم شركاء لله مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ أي من الخلق والرزق والإماتة والإحياء مِنْ شَيْءٍ من تلك الأفعال، فلم يجيبوا عجزا، فقال تعالى استبعادا سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

قال ابن كثير: (أي تعالى، وتقدّس، وتنزّه وتعاظم، وجلّ وعزّ عن أن يكون له شريك أو نظير أو مساو، أو ولد أو والد، بل هو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد).

[كلمة في السياق]

هذه الآية قد لخّصت المعاني الرئيسية في السورة، من تقرير أن الله هو المبدئ والمعيد، وأنّ الخلق راجعون إليه، وأنّه هو الرزاق، وأن المشركين لا حجة لهم، وأنّ الشركاء لله منفيّون، وأنّه منزّه عن أقوال المشركين فيما ذهبوا إليه من الشّرك، وهي معان تؤكّد ما تمّ تفصيله من قبل. والآن تأتي آية تبيّن الآثار الفظيعة للشرك على الحياة البشرية، ثم تأتي آية تأمر بالاعتبار بحال المشركين السابقين، ثم تأتي آية تؤكّد الأمر بإقامة الوجه لدين الله؛ استعدادا لليوم الآخر، ثم بيّن الله حكمة اليوم الآخر، ثم تأتي آيتان يختم بهما المقطع وسنرى محلّهما من السياق. فلنر تتمة المقطع.

...

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قال مجاهد: فساد البر: قتل ابن آدم، وفساد البحر: أخذ السفينة غصبا. وروى مالك عن زيد بن أسلم: أن المراد بالفساد هاهنا الشرك. قال ابن كثير: وفيه نظر. أقول: إن الفساد أثر الشرك، وهذا الذي يدلّنا عليه السياق بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ أي بسبب معاصيهم وشركهم لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا أي ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عمّا هم عليه من المعاصي. وهكذا فهمنا من الآية أن كل فساد يقع في الأرض سببه الانحراف عن أمر الله، وسببه الشرك والكفر، وأن الفساد عذاب جعله الله ليدرك الإنسان خطأه في السير والشرك، ومن عرف عالمنا ومآسيه أدرك حاجة الإنسان إلى الإسلام.

قال النسفي: (ثمّ أكّد الله عزّ وجلّ تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم، وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم، وبذلك استقر أن الشرك والمعاصي يترتب

<<  <  ج: ص:  >  >>