للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن كثير. قال ابن كثير: (وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلّى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر، بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم، حتى قال له عمر: يا رسول الله: ما تخاطب من قوم قد جيّفوا؟ فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون». وتأوّلته عائشة على أنه قال: «إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق». وقال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعا وتوبيخا ونقمة، والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام». وثبت عنه صلّى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول المسلم:

السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا. وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي ويستبشر. فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من رجل يزور قبر أخيه، ويجلس عنده إلا استأنس به، ورد عليه، حتى يقوم». وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا مرّ الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام؛ وقد شرع السلام على الموتى، والسلام على من لم يشعر ولا يعلم بالمسلّم محال. وقد علّم النبي صلّى الله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، فهذا السلام والخطاب والنداء، لموجود يسمع، ويخاطب، ويعقل ويرد، وإن لم يسمع المسلّم الرد والله أعلم).

ولننتقل إلى المقطع الرابع والأخير.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>