للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهول يوم القيامة، وطول مقامهم في شدائدها، أو ينسون أو يكذبون، وهو الذي يدلّ عليه السّياق. قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة؛ ففي

الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا، ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم). كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ أي يصرفون، أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا

وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ قال النسفي: هم الأنبياء والملائكة والمؤمنون لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ أي في علم الله المثبت في اللوح، أو في حكم الله وقضائه إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ لا كما زعمتم من لبثكم القصير، ردّوا عليهم ما قالوه وحلفوا عليه، وأطلعوهم على الحقيقة. قال ابن كثير: (أي فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة، كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا). ثمّ وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وتقدير الكلام: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ في الدنيا لا تَعْلَمُونَ أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه

فَيَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي كفروا مَعْذِرَتُهُمْ أي اعتذارهم عمّا فعلوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا يقال لهم: ارضوا ربكم بتوبة، من قولك استعتبني فلان فأعتبته، أي استرضاني فأرضيته.

[كلمة في السياق]

١ - إن الصلة بين الآيات التي مرّت معنا واضحة، فقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ... يشير إلى الزمن الطويل المتراخي الذي يقضيه الإنسان على الأرض، بما يكفيه للاعتبار ومع ذلك، فإنّه يوم القيامة يقسم أنه لم يعش إلا ساعة، وهذه الساعة- في زعمه- لم تكن كافية لتقوم عليه الحجّة. وقد كذب.

٢ - في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ دليل على وجود الله من خلال انتقال الإنسان من حال إلى حال، كما يراه في نفسه، فهذا لا يمكن أن يكون لولا أن الله العليم القدير هو الذي يفعل ذلك، إنّ هذا تقتضيه بداهة

<<  <  ج: ص:  >  >>