للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ أي متكبر معجب في نفسه فَخُورٍ أي على غيره بتعداد مناقبه تطاولا

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ القصد: التوسط بين الغلوّ والتقصير. أي:

اعدل فيه حتى يكون مشيا بين مشيين، لا تدبّ دبيب المتماوتين، ولا تثب وثوب الشّطار. قال ابن كثير: (أي امش مقتصدا مشيا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلا وسطا بين بين) وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أي انقص منه، أي اخفض صوتك. قال ابن كثير: أي لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه. ولهذا قال تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ أي أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ لأن أوله زفير، وآخره شهيق كصوت أهل النار، وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، تنبيه على أن رفع الصوت في غاية الكراهة. قال ابن كثير في الآية: (قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير. أي غاية من رفع صوته أنه يشبّه بالحمير في علوّه ورفعه، ومع هذا فهو بغيض إلى الله تعالى. وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمّه غاية الذم؛ لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «ليس منّا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه»).

[نقول]

١ - [كلام صاحب الظلال بمناسبة آية يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ .. ]

قال صاحب الظلال عند قوله تعالى: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ:

(وما يبلغ تعبير مجرد عن دقّة علم الله وشموله، وعن قدرة الله سبحانه، وعن دقّة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور. وهذا فضل طريقة القرآن المعجزة الجميلة الأداء، العميقة الإيقاع ... حبة من خردل صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة. فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها.

أَوْ فِي السَّماواتِ في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة. أَوْ فِي الْأَرْضِ ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين. يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ... فعلمه يلاحقها، وقدرته لا تفلتها إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. تعقيب يناسب المشهد الخفي اللطيف.

ويظل الخيال يلاحق تلك الحبة من الخردل في مكامنها تلك العميقة الوسيعة؛ ويتملّى علم الله الذي يتابعها. حتى يخشع القلب وينيب، إلى اللطيف الخبير بخفايا الغيوب. وتستقر من وراء ذلك تلك الحقيقة التي يريد الله إقرارها في القلب. بهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>